جلسة الموازنة.. إستمرار للنكد السياسي!.. غسان ريفي

تُستأنف اليوم جلسة الموازنة، حيث سيكون على اللبنانيين أن يسمعوا المزيد من الخطابات الشعبوية البعيدة عن الواقع والخاضعة لأجندات التيارات السياسية الساعية الى تصفية الحسابات فيما بينها من جهة، ومع الحكومة من جهة ثانية، والى كيل الاتهامات بحق بعضها البعض والتملص من المسؤوليات، في وقت الكل فيه مسؤول، فهذه التيارات ممثلة في الحكومة التي وافقت على الموازنة وأحالتها الى مجلس النواب، وهي ممثلة بمعظمها في لجنة المال والموازنة التي وضعت ملاحظاتها عليها، ثم جاءت الى مجلس النواب لمناقشتها وإنتقادها.

اللافت، أن التيارات السياسية التي كانت تشارك بحصص وزارية بحسب تمثيلها النيابي في حكومات الوحدة الوطنية، هي نفسها برؤسائها وممثليها المسؤولة عن سلسلة من الموازنات الفاشلة التي لم تكن تقدم ضمن المهلة الدستورية لا بل كانت تناقش مع نهاية كل عام، وتتضمن مزاريب عدة للهدر من المشاريع الوهمية الى عجز الكهرباء الى خدمة الدين وغيرها، ما أوصل البلاد الى هذا الدرك من الانهيار، وهي نفسها اليوم التي تكيل الانتقادات لهذه الموازنة.

يعلم القاصي والداني أن حكومة تصريف الأعمال وبصلاحياتها الضيقة والحصار السياسي الذي تواجهه من تيارات سياسية كل منها يريد أن يتعامل معها على القطعة أو بحسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية، قد أوقفت هذا الانهيار ووضعت لبنان على سكة التعافي، وقدمت موازنة ضمن المهلة الدستورية للمرة الأولى منذ عشرين عاما، وهي موازنة أفضل الممكن لتأمين سير المرفق العام وتوفير الرواتب للموظفين في ظل الظروف الراهنة وبصفر عجز، ومن دون ضرائب ورسوم جديدة بل تصحيح للتضخم الذي حصل بفعل الأزمات المتتالية، وقد أبدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إنفتاحا على كل الملاحظات، حيث أكد على هامش الجلسة أمس أن “لا مانع لدينا من إعتماد التحسينات على الموازنة”.

طغى النكد السياسي على جلسة الموازنة، التي أظهرت عمق الانقسامات والخلافات بين التيارات التي حاولت تسجيل النقاط على بعضها البعض سواء بالتلميح أو بالتصريح، لكن قمة النكد كان ما أورده النائب جبران باسيل الذي خالف الدستور بشكل واضح وصريح بتقديم إقتراح قانون بمادة واحدة لاقرار الموازنة.

وقد مارس باسيل الابتزاز السياسي على رئيس مجلس النواب نبيه بري بوضعه أمام خيارين، فإما أن يقبل بإقتراح القانون فيبقى تكتل لبنان القوي حاضرا الجلسة، أو أن يرفضها ويغادر الجلسة، ما يشير الى خفة سياسية في ظل ظروف بالغة الدقة والخطورة، لكن الجواب جاء سلبيا من الرئيس بري فغادر باسيل وعدد من نوابه قاعة المجلس.

وقد وجدت النائبة غادة أيوب في طرح باسيل مادة دسمة لتصفية حسابات القوات اللبنانية معه، حيث وجهت له إنتقادات لاذعة، مؤكدة أن “عهده وعدنا بجهنم وأوصلنا إليها”.

ولم يخل الأمر من إنتقادات وإتهامات متبادلة بين التيار والقوات اللذين تعاونا في التحامل على الحكومة ورئيسها تارة لجهة التعيينات العسكرية التي يجب على وزير الدفاع أن يقوم بواجباته الدستورية حيالها وأن يقدم إقتراحاته حرصا على المؤسسة العسكرية وهيكليتها، وتارة أخرى بعدم نشر ثلاثة قوانين في الجريدة الرسمية وردها الى مجلس النواب، وطورا بقضم صلاحيات رئاسة الجمهورية، والأبرز من كل ذلك كان نغمة مفتاح الحرب والسلم والتي غمزت من خلالها المعارضة من قناة حزب الله والحكومة التي قال رئيسها: “منذ اليوم الاول لحرب غزة، قلت نحن نريد السلام والاستقرار الدائم في الجنوب وملتزمون تطبيق القرار 1701 وكل القرارات الدولية واتفاق الهدنة، ولكن على اسرائيل وقف انتهاكاتها”.

هذه الهمروجة السياسية، كانت بمثابة تعبير عن وجود، من المعارضة الى التغييريين، على قاعدة “أنا أتكلم وأنتقد فإذن أنا موجود”، خصوصا في ظل حالة التخبط والتناقض التي تعيشها هذه التيارات السياسية، وكان يفترض بها قبل أن تحمّل حكومة أعطاها الدستور صلاحيات الرئاسة الأولى المسؤولية عن قيامها بواجباتها، وقبل أن تنتقد إنعقاد جلسة الموازنة، وقبل أن تتشدق بقرار السلم والحرب، أن تبادر الى إنتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام العام للبلاد، لكن ما شهده مجلس النواب أمس، يؤكد بما لا يقبل الشك أن مهمة اللجنة الخماسية ستكون بالغة الصعوبة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal