تتداخل الملفات بين غزة ولبنان حيث يفتش المجتمع الدولي عن كيفية تفكيكها بدءا من وقف إطلاق النار وصولا الى تطبيق القرار 1701، في وقت ما تزال الغطرسة الإسرائيلية تفعل فعلها تهديدا ووعيدا، بينما على أرض الواقع باتت حكومة نتنياهو الغارقة في الخلافات والانقسامات عاجزة عن خوض أي حرب جديدة مع لبنان، وهي ما زالت تفتش عن إنجاز في غزة يحفظ ماء وجهها لكن ذلك يبدو صعبا، ما يساهم في تقدم الحلول الدبلوماسية على ما عداها.
يناقض الاسرائيلي نفسه بنفسه، فهو يبحث عن اليوم التالي لوقف إطلاق النار في غزة وعمن سيتسلم الحكم على الأرض، بينما هو مضطر بالواسطة أو بالمباشر على خوض مفاوضات مع حركة المقاومة الاسلامية “حماس” حول تبادل الأسرى، والتي ما تزال تتمسك بشروطها الأساسية إنطلاقا من إمتلاكها ورقة الأسرى، وهي “وقف إطلاق النار وتبييض السجون الاسرائيلية بإطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين والسماح بإعادة الاعمار في غزة”.
ومن صور التناقض الاسرائيلي، أنه عندما يدخل جيش الاحتلال الى أي منطقة في غزة، ينحسب المقاومون ويعودون الى تحت الأرض ويبدأون العمليات العسكرية التي توقع الخسائر الجسمية بهم، وعندما ينحسب الاسرائيلي من أي نقطة تسارع حماس الى العودة إليها لاستلامها، ما يشير الى أن الحرب تجري بين طابقين تحت الأرض وفوقها، الأمر الذي يُصعّب على الاسرائيلي المهمة العسكرية، حيث يؤكد كثير من الخبراء أن الجيش الصهيوني يشعر وكأنه يقاتل أشباح، ما يشير الى إستمرار قوة وجهوزية المقاومة التي لم تهزم لكي تفرض عليها شروط الاستسلام.
في لبنان تدرك إسرائيل أن لا بديل عن الحل الدبلوماسي، وهذا ما أكده وزير الدفاع غالانت لنظيره الاسرائيلي، لكن ذلك لا يلغي التهديدات التي لا تتعدى التهويل الكلامي ومحاولة حفظ ماء الوجه أمام المجتمع الاسرائيلي، خصوصا أن نتنياهو يريد في أسرع وقت ممكن إعادة نحو 150 ألف مستوطن الى ما يقارب 17 مستوطنة قاموا بإخلائها خوفا من ضربات المقاومة الاسلامية في لبنان، وبالتالي فإن أي عدوان موسع قد يقوم به العدو، يعني إعطاء هؤلاء النازحين إقامة دائمة حيث يتواجدون في عمق فلسطين المحتلة، ما سيضاعف من حجم الأزمة التي تواجهها الحكومة وهي تدرك أن الملفين اللذين تستطيع من خلالهما إرضاء المجتمع الاسرائيلي هما ملف النازحين وملف الأسرى.
هذا الواقع، يؤكد على الارتباط الوثيق بين الحرب على غزة والاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان، ويؤكد صوابية ربط وقف إطلاق النار في غزة بتطبيق القرار 1701 في لبنان، لأنه لولا غزة لما كانت جبهة الجنوب، وبالتالي فإن ما قاله الرئيس نجيب ميقاتي في مجلس الوزراء ليس تأكيدا على وحدة الساحات كما حاول بعض أصحاب الأجندات تصويره، بل هو تعبير عن تداخل الملفات التي يعمل المجتمع الدولي جاهدا لحلها الواحد تلو الآخر، حيث بات المعنيون وفي مقدمتهم أميركا يدركون أنه لا يمكن الحديث في أي ملف في المنطقة من الأسرى الى الجنوب والقرار 1701، الى اليمن والبحر والأحمر والعراق وسوريا، من دون أن يصار أولا الى وقف إطلاق النار في غزة والذي بات الجميع على إقتناع أنه يشكل بداية الحل، أما إستمراره فإنه سيفتح الأبواب على كل الاحتمالات السيئة.
Related Posts