إطلاق “طاولة حوار المجتمع المدني” في بكركي

اطلقت صباح اليوم “طاولة حوار المجتمع المدني” في الصرح البطريركي في بكركي، بحضور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، مشاركة الرئيس الاسبق امين الجميل، والنائبين اشرف ريفي واديب عبد المسيح، والسيدة حياة ارسلان، وعدد من الفاعليات

امين الجميل

وتناول الرئيس الجميّل في كلمته في مؤتمر بكركي حول “لبنان الكبير” البعد الايجابي لدولة ١٩٢٠ والثغرات التي عانت منها.

وقال: “في النقطة الاولى لم تكن المساحة معيار الدولة، ولم يعتمدْ البطريرك الياس الحويك عام ١٩٢٠ الكيلومترات كوحدةِ قياسٍ بل اعتمد قياسَ الوحدة”.

أضاف: “لحظةَ العملِ للمشروع، كان الكيانُ الواحد الخاص بلبنانَ الكبير فكرةً ثابتة في التاريخ، لكن متعثرةْ في الجغرافيا”.

وحسم الجميّل القول بأن الخطأ البشري هو الذي حاول إفشال تجربة لبنان الكبير، وقال: “لا تلومّنَ الياس الحويك ورفاقَه من كل الطوائف، لا تلومّنَ الآباء المؤسسين لدولة لبنان الكبير، رهانُهم وأهدافُهم كانت صائبة، ممارستُنا كانت شائنة. لم نوفَّقْ في صيانةِ دولةِ لبنانَ الكبير، وتعثّر التجرِبة لم يكن عيباً في التصنيع Défaut de fabrication بل بسبب خطأ بشري بالتطبيق”.

وجاء في كلمة الجميّل الاتي:

أول الإمتحانات كان سنة 1949، مع قيام دولة إسرائيل وطموحات بعض مؤسسيها التوسّعية، فتوحّد اللبنانيون وواجهوا هذه التحديات.

في نهاية الخمسينيات كاد لبنان أن يسقط وإهتزّ منطق الولاء للوطن،إلا أن بعض الظروف الإقليمية الطارئة ساهمت في تصحيح مسيرته الإستقلالية، وتعزيز نظامه المميّز في المنطقة.
في الستينيات واجه لبنان مشروع الوطن البديل على أرضه، فواجه العرفاتية وأتباعها في الداخل والخارج، وتحوّلت الحالةُ الفلسطينية الى أكثر بكثير من وجود وأقل بقليل من دولة احتلال لدرجة كادت الحركة الفلسطينية أن تقضي على الكيان لولا المقاومة اللبنانية الشجاعةلهذا المشروع التي حفظت لبنان حين توفّرت الظروف الإقليمية المؤاتية.
في السبعينيات كذلك، واجه لبنان الأطماع السورية من خلال الهيمنة الكاملة على الوطن ومقدّراته، بمباركة دولية مغرضة. فكان 〔الاحتلالُ〕 الفعلي للبنان. احتلالٌ لم يحررْهُ سوى وحدتِنا الداخلية المنبثقة من فلسفةِ لبنانَ الكبير وقد جسدّها حديثاً بكل معانيها تجمعُ قرنة شهوان ولقاءُ البريستول تحت شعار لبنان اولاً وقافلةُ الشهداء التي دفعنا ثمنها وجعاً كبيراً.
في الثمانينيات، تعرًض لبنان لمؤامرة من نوع جديد استندت الى الديموغرافيا العددية وسلطة المال المتوحشة والعسكريتاريا الشرسة، يقودها النظام الإيراني بحجة تحرير الأرض العربية، فزعزعت النظام اللبناني ولم تزل لحينه تثير الفوضى مما فرض على الشعب اللبناني وقفة وطنية من أجل لبنان الحر والديمقراطي.

استعرضتُ هذه المراحل لنستخلصَ معاً النتائجَ المرجوة.

أولاً لا مفرّ من إحياء دولة ١٩٢٠ أي الدولة الواحدة، وإحياء دولة ١٩٤٣ أي الدولة-الدستور، لأن البديل، بالخلاصة، هو العودة الى اللا دولة والتفرقة، أي دولة الطوائف، دولة المذاهب، دولة السفارات، دولة توزيع الولاءات واستدراج دول الاقليم، مع ما تفترضه من نزاعات عسكرية في الداخل وولاءات سياسية للخارج.

ثانياً: كما واجه اللبنانيون وصمدوا وأبقوا الرهان (السياسي) هو الأساس، لا بدّ من تحصين النظام بحركة تحديثية نهضوية تقوم على اعتماد اللامركزية الموسعة التي توفر لكل جماعة حقوقها من دون المسّ بحقوق الجماعات الأخرى. كما من شأن اللامركزية اذا أُحسنَ تطبيقُها ان تنمّي مركزية لبنان في المشرق العربي.

ثالثاً- لا بدّ من معالجة فورية لمشكلتي الخوف والغبن لدى جميع اللبنانيين، لننتقل عندها من نظام الامتيازات المفروضة واللامساواة الى نظام الدولة الراعية والضامنة، وتحصين لبنان عن التدخلات الخارجية.

رابعا- لا مفرّ ايضاً من استعادة حالة لبنان السيادية، الاستقلالية، الوحدوية بتثبيتُ حياد لبنان، فلبنان هو أصلاً غيرُ منحاز منذ دولة لبنان الكبير التي شكل اعلانُها حياداً عن الغرب وعن الشرق.

آن الأوان ان ينقذَ لبنانُ نفسه بأن تتلبنن كل المكونات، فتكتمل الحالة اللبنانية وتتكامل دون امتيازات، فقط بضمانة الدولة القوية والقادرة، الا اذا أردنا لبنانَ لبناناتٍ موزعة الى مناطقَ نفوذٍ وفق سايكس-بيكو جديد وفرنسيين جدد وإنكليز جدد وهم كثر في الجوار وأبعد من الجوار.

آن الاوان بعد مئة عام لتثبيت الكيان على قيم الجمهورية في الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان، أسسٌ من دونها لا قيام للدولة، ومعها يعود لبنان الى مفهوم الوطن الرسالة ويقوى اللبنانيون على خوض غمار المئوية الثانية، وطناً سيداً ومواطنين متساوين متحدين متكافلين متضامنين”.

ريفي

كما القى النائب ريفي الكلمة الاتية:

كبير هو لبنان. ليس بجغرافيته ولا بموارده، بل بالمعنى الذي يمثله كقيمة فريدة ونادرة.
كبير هو لبنان، ومسؤوليتنا كبيرة في الحفاظ عليه، وطناً نفخر بالانتماء اليه، وبزرع أبنائنا في مدنه وبلداته وجباله.

لبناننا الحالي هو دولة لبنان الكبير، هو لبنان الـ 10452 كلم2

ليس صدفةً أن يشهد هذا الكيان منذ نشأته، ما شهده من أزمات ومحطات مصيرية وتحولات، حيث بدأ كيان لبنان يترسخ مع تأسيس الإمارة المعنية في العام 1516، لينتقل إلى الإمارة الشهابية، ومن ثم إلى نظام القائمقاميتين، ليتبلور كيانه مع إقرار بوتوكول عام 1861، ووضع نظام مكتوب له وتعيين مجلس لإدارة المتصرفية، وصولاً إلى إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920، إلى إعلان الإستقلال في العام 1943، وتكريس الميثاق الوطني صيغة للعيش المشترك، وانتهاءً بإقرار وثيقة الوفاق الوطني في العام 1989، التي رسخت الوحدة الوطنية والعيش معاً.

ليس صدفةً أن ينتج هذا الكيان ما أنتجه في محيطه والعالم، من إبداع قل نظيره في كل المجالات.

ليس هذا تبجحاً ولا تمجيداً للذات، فلبنان هو وطن لم تقتله العواصف، هو ثابت صامد وأقوى، ممن يتوهمون أنهم أقوى منه.

لقد أعلن عن ولادة دولة لبنان الكبير الذي باسمه نلتقي اليوم، وقد ساهم بطريرك جليل هو البطريرك الياس الحويك، مع كثير من المخلصين من كل الطوائف، بولادة الكيان اللبناني الحديث.

ولأجل هذا الوطن الكبير، خاض المغفور له الشيخ محمد الجسر أشرس المعارك، وكان شريكاً لبنانياً أصيلاً، ساهم بهذه الولادة، وسجل إسمه في تاريخ هذا الوطن.

كانت الولادة صعبة. لكنها كانت ولادة طبيعية.
التاريخ يقول لنا أن جزءاً من اللبنانيين، رفضوا هذه الصيغة واعتبروها تقزيماً لطموحات الوحدة العربية.
ويقول لنا أيضاً، أن جزءاً من اللبنانيين رفض هذه الصيغة، خشية الذوبان في بحر الأغلبية.

لقد أثبت لبنان الكبير للفئتين، أنهم كانوا على خطأ، فلبنان الكبير بات النعمة الإلهية لكل أبنائه، التي وُجُب علينا جميعاً أن نحميها باهداب العيون.
لبنان الكبير سفَّه كل المشككين، وأزال تردد كل المترددين، من دونه نحن تائهون في عواصف المنطقة. به نحتمي وإليه ننتمي، وعنه سندافع مسلمين ومسيحيين الى يوم الدين.

لقد تحول لبنان الكبير من الوطن الملجأ، الى الوطن الهوية فلم يعد حاجة فقط، بل أصبح حقيقة نعيشها في كل يوم وندافع عنها، ونواجه المشاريع الهدامة المتربصة به.

لم يكن من السهل أن نحافظ على الهوية الواحدة، وسط كل هذا التنوع الديني والمذهبي، لكن من المؤكد التمسك بها مهما كانت الصعوبات، هو الخيار الذي يحفظ أولادنا وأجيالنا في وطن فيه كل مواصفات التميز والتألق.

لأجل لبنان الكبير وضع رياض الصلح وبشارة الخوري وغيرهم الكثيرون، اليد باليد، وتعاهدوا أمام الله ولأجل لبنان، أن يكون استقلاله ناجزاً، وأن يحموا سيادته وحريته واستقلاله.

اليوم وبعد كل الحروب والاضطرابات، ترانا جميعاً نقول بصوت واحد: لبنان وُلد ليبقى وسيبقى بإذن الله.

هو جزء لا يتجزأ من العالم العربي والعالم.
هو ملتقى الحضارات والثقافات.
هو الرسالة والمختبر الفريد للعيش معاً.

مئة وثلاث سنوات ونيف على ولادة لبنان الكبير، ولا زلنا نناضل لنحميه من الطامعين والعابثين، ومن أصحاب المشاريع الهدامة.

نحن نتعهد اليوم من هذا الصرح الوطني الكبير أن نبقى معاً، لنستعيد السيادة ونرفع الوصاية ونحمي الدستور ونفعل المؤسسات.

نتعهد أن نمنع تحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

نتعهد أن نعيد للدولة هيبتها، وأن يكون الجيش والمؤسسات الأمنية الشرعية وحدها من تمسك زمام الامن.

نتعهد أن نواجه السلاح الميليشياوي، ومشاريع التصفية والاغتيال والإرهاب.

لبنان الكبير وُجد ليبقى، وسيبقى بإذن الله بكامل مساحته الـ 10452 كلم2، وبكامل مكوناته الوطنية.
معاً سنبقى موحدين مسلمين ومسيحيين، كي نبني مستقبلاً واعداً لأبنائنا وأجيالنا.

التحية لكل من نظّم هذا اللقاء.

ونخص بالتحية “طاولة حوار المجتمع المدني” التي أصرّت على إطلاق تجمع دولة لبنان الكبير، من هذا الصرح الكبير.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal