من يسير في مدينة طرابلس ويتمعن في شوراعها وساحاتها وخاناتها، يرى شواهد على تاريخ عريق عمره مئات السنين.
تؤشِّرُ كثرةُ الخانات إلى الدور الاقتصادي الذي لعبته المدينة كنقطةِ وَصْلٍ بين الشرق والغرب على مدى قرونٍ مُتعدِّدة. لكن مع الأسف، فإن غالبية الأماكن التراثية والتاريخية شوهت إما بسبب الإهمال وإما بفعل عبث المخربين، وخان التماثيلي واحد من المعالم العريقة والإثرية في ميناء طرابلس المهددة بالزوال.
خان التماثيلي بين الماضي والحاضر!!..
يقع خان التماثيلي في الميناء وهو واحدٌ من أبرز المعالم التاريخية في طرابلس يعود تاريخه إلى حقبة المماليك حينما كان محطة إستقبال للمسافرين القادمين عبر ميناء طرابلس، وعرف هذا الخان بعدة أسماء منها “خان الأسكية الكبير” العائدة للغة اليونانية وتعني الميناء و”خان التجار” ليعرف بعدها بخان التماثيلي نسبة إلى العائلة التي تملكته وحولته الى وقف لتقرر بعدها بلدية الميناء إستملاكه عام 1981 لتحويله إلى فندق تراثي إلا أن هذا القرار بقي موضوع نزاع بين بلدية الميناء واصحاب الوقف والقاطنين فيه.
عبر بوابة ضخمة مصنوعة من الخشب المصفح بالحديد يصل إرتفاعها إلى ٦ أمتار يمكن الدخول الى الخان الذي يتألف من طبقتين الأولى: كانت مستودعاً للبضائع ومسرجا للخيل ومعلفا للماشية إضافةً إلى مخازن للبيع والشراء تحيط بها باحة مكشوفة واسعة تتوسطها بركة مياه صغيرة.
أما الطبقة الثانية فهي عبارة عن 45 غرفة قسمت بين مكاتب للتجار وغرف نوم، إضافةً إلى 34 قنطرة تزين الممر الأساسي.
اليوم فقد تحول هذا الخان من مكان أثري تاريخي إلى مكانٍ مهمل ومسكناً لأكثر من 60 عائلة يعيشون داخل غرف لا تتوافر فيها أية شروط صحية مع غياب البنى التحتية من مياه الصرف الصحي واستفحال الرطوبة والنش داخل الجدران جميع معالمه غُدر بها وتبدلت بوابته الضخمة فلم يتبق منها إلا بعض ألواح الخشب المهترئة كما تحولت مستودعات الخان إلى محال لإصلاح السيارات ناهيك عن باحة الخان المليئة بالمياه المبتذلة والتي أصبحت ساحة لعب لأطفال لا يدرون مدى رمزية هذا المكان أضافة الى الملابس المتدلية من النوافذ، وجميع هذه التداخلات ساهمت في تشويه الخان وافقاده طابعه الأثري.
المهندس عامر حداد رئيس دائرة الهندسة في بلدية الميناء، وفي حديث لسفير الشمال يقول: “خان التماثيلي من أهم المعالم في الميناء تم إستملاكه لصالح بلدية الميناء لكن هناك مشاكل قانونية عالقة كونه ملك لبيت التماثيلي الخارجي ويتقسم هذا الخان الى ثلاث أقسام المالك الأساسي أي الوقف، ومستأجرين رسميين ومحتلين والغالبية هم من المحتلين متعددي الجنسيات (لبنانين /سوريين /فلسطينيين) إضافة الى أن المكان لا يحتمل التعديات التي يقومون بها، وهذا يهدد السلامة العامة.
واضاف: من الناحية القانونية يحتاج القاطنون في الخان إلى رخصة ولإعطائهم هذه الرخصة يجب أخذ موافقة مديرية الآثار كونه موقعا أثريا، وحتى البلدية لا يمكنها اعطائهم اياها “
وختم: المشهد جداً كارثي سواء صحياً على قاطني هذا الخان ام على الميناء و طرابلس ككل لان هذا الخان مؤهل لان يمثل بعد الترميم مشروعاً سياحياً ضخماً نظراً لاهميته ونحن بقدر الإمكان نحاول المساعدة من خلال الورشات التي تقوم بها البلدية بين الحين والأخر للتنظيف وتسليك المجارير و يحب على القاطنين أيضاً مساعدتنا من خلال الإهتمام بنظافة المكان وعلى الأقل حول منازلهم لأن الوضع لا يحتمل.
إهمال وراء إهمال يسبب في دفن كنوز تاريخية لمدينة طرابلس أثر الفساد على خان التماثيلي وعلى كافة آثار المدينة بات واضحاً وجلياً وبحسب معلومات سفير الشمال فقد حصلت البلدية منذ عدة أعوام على تمويلات تجاوزت الخمسين مليون دولار من أجل تفعيل دور المواقع الأثرية والسياحية فأين ذهبت هذه الأموال؟ وهل سيتم تدارك حجم هذه الكارثة قبل فوات الأوان؟
Related Posts