منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 تشرين الأول الماضي، عادت إلى الواجهة العديد من الأسماء الفلسطينية التي قام الجيش الإسرائيلي بسحب حريتهم، والحكم عليهم بمُدد طويلة داخل سجونه، فيما مُنعت الزيارة عنهم ووُضعوا في سجون انفرادية ويرفض الجيش الإسرائيلي الإفراج عنهم تحت أي ظرف أو عملية تبادل للأسرى.
من بينهم قائد كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية إبراهيم حامد، الذي تتهمه إسرائيل بالتخطيط لمجموعة من العمليات التي أوقعت عشرات الإسرائيليين وأصابت المئات.
طارد الجيش الإسرائيلي إبراهيم لأزيد من 8 سنوات، قبل أن يتمكن من اعتقاله في 23 أيار سنة 2006، إذ أخضعه للعديد من عمليات التعذيب، إلا أنه لم يعترف بشيء، ما أطال مدة محاكمته لـ6 سنوات، ليكون صاحب أطول ملف قضائي للمحكمة، الذي وصل إلى 12 ألف ورقة، لتنتهي في النهاية بالحكم عليه بـ54 مؤبداً، أي 5400 سنة من السجن.
إبراهيم جميل عبد الغني حامد من مواليد 14 تشرين الثاني سنة 1965 بمحافظة سلواد التابعة لرام الله، البلدة معروفة بأنها موطن للعديد من المطلوبين لإسرائيل من بينهم كبار القادة الذين تركوا بصمة وآثاراً في الساحة النضالية، من بينهم أشهر قياديي حماس “خالد مشعل”.
وكان إبراهيم الطفل العاشر في عائلة بها 12 طفلاً، فيما عاش طفولة عادية في أحياء سلواد، رغم وفاة والده وهو في سن الثالثة بسبب عملية جراحية، عرف منذ صغره بشخصيته القوية، وبسبب نشوئه في عائلة من المقاومين انضم منذ نعومة أظافره إلى المقاومة.
درس إبراهيم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس بلدته، ثم انتقل إلى ثانوية عين يبرود، حيث نال شهادة الثانوية العامة في عام 1985. واستمر في تعليمه الجامعي في جامعة بيرزيت، حيث حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية عام 1992. فيما بعد، انتقل إلى الأردن لدراسة دبلوم اللغة العربية في كلية الأردن.
تابع دراسته بالحصول على دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، ونظراً لشغفه بالعلم والتعلم، استمر في مسيرته الأكاديمية ليحصل على درجة الماجستير في برنامج العلاقات الدولية في الجامعة نفسها. ومع ذلك، تعثرت رحلته الأكاديمية بسبب الاعتقال الذي أُلقي فيه قبل مناقشة رسالته.
في الفترة التي كان يتابع فيها دراسته العليا، انضم إلى المركز البحثي في جامعته، حيث كتب ونشر العديد من الأبحاث العلمية. كما خصص جزءاً من جهوده البحثية لكتابة أبحاث حول تاريخ بلدة سلواد والجهاد ضد “الاحتلال البريطاني”، حيث قام بتوثيق تلك الفترة بواسطة المقابلات المرئية والمسجلة. ورغم فترة اعتقاله، استمر في قراءاته واطلاعه وتوسيع ثقافته.
تزوج إبراهيم سنة 1997، ورزق إبراهيم وأسماء بعلي سنة 1999 وسلمى سنة 2001. دفع حب إبراهيم للعلم حثّ زوجته على إكمال تعلميها، فقد تزوجا قبل أن تدرس الجامعة، لذا أصرّ عليها حتى التحقت بجامعة بيرزيت، وتخرجت فيها في تخصص العلوم السياسية.
بعدها قامت قوات الجيش الإسرائيلي بإلقاء القبض على زوجته فيما قامت بترحيلها إلى الأردن ومنعت عنها أطفالها لمدة 3 أشهر، فيما منعت سفر بقية أفراد عائلته، ولا يسمح لأطفاله أو زوجته بالعودة إلى فلسطين.
قبل بلوغه العشرين من عمره انضم إبراهيم حامد إلى حركة حماس في سرية تامة، إذ لم يخبر أحداً من عائلته عن الأمر، كما لم يكن يستخدم الرسائل أو الاتصالات للقيام بأي شيء قد يدل على انضمامه إليها.
ومع ذلك، ومع انخراطه في المقاومة بدأت قوات الاحتلال تلاحقه، إذ عاش تجربة الاعتقال للمرة الأولى سنة 1989 لمدة 6 أشهر، ثم اعتُقل للمرة الثانية سنة 1991، وحُكم عليه بالسجن 4 أشهر، ثم اعتُقل مجدداً عام 1995 سنة ونصف السنة.
بدأ اسم إبراهيم بالانتشار ما بين سنة 1994 و1995، وعُرف انتماؤه لحركة حماس، إلا أنه توقع أنه يخطط للمظاهرات والأمور البسيطة من هذا القبيل، ولم يكن يعرف أنه يتبع كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
في عام 1998، حدثت نقطة فارقة في حياة إبراهيم حامد، خاصة بعد استشهاد القادة البارزين في كتائب القسام عماد وعادل عوض الله، خلال اشتباك مسلح مع القوات الإسرائيلية. في تلك اللحظة، كشفت المخابرات الإسرائيلية أن إبراهيم أصبح قائداً للكتائب في الضفة الغربية.
وقامت المخابرات بمداهمة منزله في محاولة لاعتقاله أو العثور على أدلة، إلا أنهم لم يجدوا سوى كتب دينية وتاريخية، وبعض الصور.
في نهاية العام نفسه، نجحت القوات الإسرائيلية، من خلال عناصرها في الضفة ورام الله، في رصد حركة إبراهيم حامد ومعرفة مكان وجوده في شقة بالمنطقة “أ”، وهي منطقة تخضع لسيادة السلطة الفلسطينية.
حاول المحققون الحصول على إذن لمداهمة الشقة وتنفيذ العملية، ولكن قيادة الشاباك رفضت ذلك لتجنب التعدي على منطقة السلطة. بقي الضباط يراقبونه عن بُعد باستخدام عناصر الشاباك في رام الله.
في تلك الفترة، بدأت السلطة الفلسطينية في متابعة نشاطات إبراهيم حامد، واعتقلته في عام 1999، حيث تعرض لتعذيب شديد. يُقال أنه رفض الاعتراف بأي شيء وأنه “بصق في وجه رئيس جهاز الأمن الوقائي” حينها، جبريل الرجوب. مع بداية الانتفاضة الثانية، قررت السلطة الفلسطينية الإفراج عن المعتقلين نتيجة لتعرض مقراتها لهجمات من قِبل قوات الجيش الإسرائيلي.
خروج القادة، بما في ذلك إبراهيم حامد، من سجون السلطة الفلسطينية كانت نقطة تحوّل حاسمة في تطور حركة حماس وجهازها العسكري. قاد إبراهيم حامد مجموعة في رام الله، حيث انضم إليه عبد الله البرغوثي، الذي كان ذا خبرة في صناعة المتفجرات.
بدأت كتائب القسام في تلك الفترة تطوير قدراتها في مواجهة إسرائيل، وعملت بشكل منظم على تجنيد المهندسين والاستشهاديين وتدريبهم، بالإضافة إلى صناعة عبوات ناسفة.
نتج عن ذلك سلسلة من العمليات التي شهدتها المنطقة، حيث قاد إبراهيم حامد مجموعة قوية نفذت ضربات قوية ضد إسرائيل. تضمنت هذه العمليات عمليات استشهادية في المقاهي والحافلات، وزرع عبوات ناسفة، وتفخيخ سيارات، واستهداف حواجز عسكرية ومستوطنين.
من بين هذه العمليات التي “اتهمت إسرائيل إبراهيم حامد بالوقوف خلفها:
– عملية مقهى مومنت: نُفذت في مقهى مومنت في القدس في آذار 2002، أسفرت عن مقتل 11 إسرائيلياً وإصابة 65 آخرين؛
– عملية ريشون ليتسيون أو ملهى “شيفيلد”: نُفذت في ملهى “شيفلد” في تل أبيب في أيار 2002، أسفرت عن مقتل 15 إسرائيلياً وإصابة 60 آخرين؛
– استهداف خط السكك الحديدية: شملت عمليتين في حزيران وتموز 2002، استهدفتا خطوط السكك الحديدية؛
– عملية الجامعة العبرية: نُفذت في الجامعة العبرية في القدس في تموز 2002، أسفرت عن مقتل 9 إسرائيليين وإصابة 81 آخرين؛
– استهداف محطة بي غليلوت: هدفت إلى تفجير محطة بي غليلوت في تل أبيب في آب 2002، ولكن تم التحكم في الحريق دون حدوث انفجار كبير.
وفشلت جهود “الشاباك” في إيقاف هذه العمليات أو الإمساك بإبراهيم حامد، واعتبرت إسرائيل أنه كان وراء تأسيس مجموعة خلايا عسكرية نشطة في الضفة الغربية”.
وفي ظل تصاعد عمليات كتائب عز الدين القسام المستهدفة لإسرائيل، أصبح اسم إبراهيم حامد في مقدمة المطلوبين للاعتقال أو الاغتيال. بدأت عملية المطاردة له، والتي استمرت لـ8 سنوات، حيث حاولت القوات الإسرائيلية بكل الوسائل الوصول إليه دون جدوى.
إذ يصف أحد محققي “الشاباك” هذه الفترة بأن “إبراهيم جعلنا أضحوكة على مدار عقد من الزمن”. في إحدى المرات، خطط “الشاباك” لعملية معقدة شملت اقتحام 20 موقعاً استراتيجياً لحركة حماس، وكانوا على يقين بأن إبراهيم حامد سيكون في أحد تلك المواقع.
ورغم الاشتباكات المسلحة التي حدثت في أحد المواقع واستشهاد عدد من المقاومين، فإنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى إبراهيم. وفي شباط 2003، قامت قوات الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربة لإبراهيم حامد بعد اعتقال زوجته وأخيها حمزة، وأشقاء إبراهيم الأربعة.
هذه الخطوة كانت محاولة للضغط على العائلة للكشف عن مكانه. نُقل أفراد العائلة المعتقلين إلى مركز توقيف في بيت إيل ثم نُقل شقيق زوجته حمزة إلى معتقل المسكوبية، حيث تعرض لتعذيب لكشف معلومات عن إبراهيم. ومع عدم تلقيهم لأي معلومات، تم نفي حمزة إلى الأردن.
تم استجواب أسماء وطفلي إبراهيم، علي وسلمى، وتم استخدام التهديد والترهيب للحصول على معلومات عن أبيهما، لكن دون جدوى. في هذه الفترة، قرر “الشاباك” إبعاد أسماء عن الضفة، وقاموا بإصدار أوراق الإبعاد، محاولين الضغط على إبراهيم. ورغم فشل الشاباك في التوصل إلى إبراهيم، تم تتبع تواصله مع زوجته عبر البريد الإلكتروني.
وفي أيار 2006، نجحت قوات الجيش الإسرائيلي في اقتحام منزل إبراهيم حامد في رام الله واعتقاله دون حدوث اشتباك مسلح. كانت هذه العملية مباغتة وأسفرت عن اعتقال إبراهيم وإنهاء فترة طويلة من المطاردة.
رغم استخدام كل وسائل التعذيب النفسي والجسدي، لم ينجحوا في انتزاع أي اعتراف منه. يُروى في حكايات الأسرى عن قوة إرادته وصموده أمام الضغوط والتحقيقات القاسية التي تعرض لها.
في تحول غير مألوف، طلب محامي إبراهيم لقاءه بعد شهر من اعتقاله، ولكن الإسرائيليين أنكروا وجود شخص يُدعى إبراهيم حامد. في غضب وثورة، جاء رئيس المحققين وحاول إقناعه بالاعتراف بوجوده باستخدام الغرض من اللقاء، لكن إبراهيم غادر التحقيق من دون أي اعتراف. بُعيد ذلك، تم عزله انفرادياً لمدة 7 سنوات، تأتي 6 منها أثناء فترة المحاكمة.
استمرت محاكمته 6 سنوات قبل أن يتم النطق بالحكم. رغم طول فترة المحاكمة، أدين إبراهيم بالتهم الموجهة إليه، واستندت المحكمة إلى التحقيقات والمذكرات التي قدمتها المخابرات الإسرائيلية، دون أي اعتراف منه بأي كلمة.
أحد ممثلي الدفاع في إحدى جلسات المحاكمة وصف إبراهيم حامد بأنه “أكبر ملف أمني في تاريخ دولتنا”. تم توجيه تهم خطيرة إليه، مُتّهماً بتخطيطه لعمليات فدائية واستشهادية أودت بحياة العديد من الإسرائيليين.
رغم مرور 7 سنوات في العزل الانفرادي، مُنع إبراهيم حامد من زيارة أهله وعائلته. كما أُدين بالسجن 54 مؤبداً، ما يُعتبر ثاني أكبر حكم سجن في فلسطين والعالم، يُعد رمزاً للصمود والتضحية في سبيل القضية الفلسطينية.
ترفض إسرائيل تسجيل اسمه في قوائم تبادل الأسرى، وترفض المساومة على حالته تحت أي ظرف.
Related Posts