القرارات الدولية في كفة الميزان.. والحرب مستمرة!.. شفيق ملك

انطلاقاً من آخر جلسة عُقدت في مجلس الأمن بتاريخ 19 ديسمبر 2023 من أجل التصويت على القرار رقم 2712 الذي قدمته مالطا “لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة”، والذي أُرْجِأ التصويت عليه تفاديا للفيتو الأمريكي، فقد أفرج أخيراً عن القرار ليل السبت باعتماد دخول المساعدات الإنسانية الى غزة، إنما تحت سيطرة ومراقبة اسرائيل، بحجة أنها لا تثق أن تكون المعابر تحت رعاية موظفي الأمم المتحدة.  

أقرب توصيف لهذا القرار جاء على لسان سفيرة الإمارات السيدة لانا زكي: “نعلم أنه ليس نصاً مثالياً ونعلم أن وقف إطلاق النار وحده هو الذي سيضع حدّاً للمعاناة”.

ما زالت الحرب مستعرةً على كامل القطاع، والجيش الإسرائيلي مستمرّاً بعدم احترام المواثيق الدولية الملزمة والواجب الإنساني، إذ تجاوز عدد الضحايا 20،000 شهيداً، أغلبهم من النساء والأطفال والمسنين، من ضمنهم مئات الأطباء ورجال الصحافة. حقّاً ان الحرب التي تجري أحداثها كل يوم في القطاع تؤدي الى أقصى درجات المعاناة الصادمة للإنسانية بكل المعايير الدولية.

تزامناً مع ما يجري في القطاع شهدت الأيام الأخيرة تحولاً ملموساً في مواقف بعض الدول الأوروبية والغربية تجاه الحرب التي تشنها اسرائيل على غزة. في هذا الإطار دعا وزيرا خارجية بريطانيا وألمانيا الى وقف دائم لإطلاق النار، تماشياً مع ما طالبت به وزيرة الخارجية الفرنسية بالتوصل إلى هدنة فورية ودائمة، لتجنب التداعيات الكارثية على القطاع المحاصر منذ هجوم 7 أكتوبر الماضي.

استطراداً ورد في وكالة رويتر: “حماس تحول شوارع غزة إلى متاهة للجنود الإسرائيليين”. هكذا تُجسِّد حماس ملحمة المقاتل العربي في غزة لتظهر ولاءها وتشبّثها بأرض فلسطين المحتلة ولتثبت أن القطاع ما زال مرتبطاً بصلب القضية.

بالعودة إلى جلسة مجلس الأمن الأخيرة أعلن المتحدث باسم اليونسف السيد جيمس إِلدير أن غزة هي أخطر مكان في العالم للأطفال، وذلك بعد عودته من الأراضي الفلسطينية وأضاف: “أنا غاضب لرؤية عيد الميلاد سيؤدي على الأرجح إلى زيادة الوحشية والهجمات فيما ينشغل العالم بالمحبة”، معرباً عن أسفه لتحول الأطفال الذين قتلوا في غزه إلى مجرد “إحصاءات”. في حين أعلن مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في الجلسة نفسها، معارضته على ما توافق عليه 14 مندوباً، مستمراً في مداهنته المسؤولين الإسرائيليين، متشدداً في دفاعه عنهم بشتى الوسائل الملتوية وطامساً جميع الحقائق المعروفة لدى المجتمع الدولي. مما يذكرنا بالآية الكريمة قوله تعالى: “أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ”.

أدان المندوب الأمريكي في مجلس الأمن هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي وما سبَّبه من خسائر فادحة للمستوطنات الإسرائيلية بشقيها الإنساني والسياسي، متجاهلاً معاناة أهل غزة منذ عشرات السنين، مطالباً بالإفراج الفوري عن الرهائن دون الاتيان بذكر ما يحدث صبيحة كل يوم في الضفة الغربية من اعتقالات جماعية للمواطنين الفلسطينيين الأبرياء.

كما طالب بحل الدولتين دون الإشارة الى وقف شامل لإطلاق النار، بيد أنه أتى على ذكر حادثة خارج السياق في حي بروكلين في مدينة نيويورك مديناً التعرض لأحد الباعة اليهود.

الحرب في غزة مستمرَّة ولم تصل إلى أهدافها حتى الآن، رغماً عن اتباع العدو أسلوب الأرض المحروقة، فغَدت حرب إبادة جماعية وتهجير كامل لسكان القطاع. كل هذه الانتهاكات تقع تحت توصيف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حين أعلنت أمريكا، وبسخرية، أن السلاح المستعمل من قبل إسرائيل لا يصلح لقتل المدنيين، علماً انها المموِّلة والمزوِّدة لهذا السلاح منذ اليوم الأول.

هذه هي حقيقة ما يجري داخل أروقة مجلس الأمن، بدءاً بكلمات مندوبي الدول دائمة العضوية وما تحمله من انحياز وتعصب وظلم لشعوب المنطقة العربية في الشرق الأوسط، تجسَّدت عند وقوع أحداث قطاع غزة الدامية، فجاء الرفض لخمس نصوص في مجلس الأمن منذ السابع من أكتوبر الماضي. نتساءل حينها ما هو السبيل لتفادي حق النقد، الفيتو، من قبل المندوب الأمريكي، حليف إسرائيل على كافة المستويات. جاءنا التفسير على لسان سفيرة دولة الإمارات، بأن الدول تعمل على أعلى مستوى من الدبلوماسية للتوصل إلى نص سيكون له تأثير على الأرض، مشيرةً إلى أن “الدبلوماسية تستغرق وقتاً”.

لا بد هنا من التذكير أنه على المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لحكومة نتنياهو، الضغط من جديد لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2334 المعتمد بالإجماع، ما عدا صوت واحد ممتنع، بتاريخ 23 ديسمبر 2016. يقضي هذا القرار بحث مجلس الأمن على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان كلياً في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، على عكس ما يحدث اليوم من خروقات شاملة واغتصاب كامل لقطاع غزة.

وجب ايضاً تفعيل القرار رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة في 22 نوفمبر1967 والمعتمد بالإجماع وهو القرار الأساس للوصول الى حل شامل للوضع في الشرق الأوسط، كذلك الدعوة الى تطبيق مبادرة السلام التي أطلقها المغفور له الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في بيروت عام 2002.

من هذا المنطلق نجد أن حكومات وهيئات عالمية باتت تدعو إلى تطبيق حل الدولتين لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما في ذلك الولايات المتحدة. فقد أعلن الرئيس بايدن أن:” مهما بلغت صعوبته، علينا أن نستمر في مواصلة سعينا نحو إحلال السلام، علينا أن نواصل العمل نحو مسار يمكِّن لإسرائيل والشعب الفلسطيني من العيش بأمان وكرامة وسلام”. وكان الرئيس بايدن قد أعلن، في ختام زيارته الأخيرة لإسرائيل:” بالنسبة لي هذا يعني حل الدولتين”.

حريٌّ بالقول أنَّ الحروب الصغيرة في وحدة الساحات الثلاث، اليمن -العراق وسوريا، بما فيها ما يجري في البحر الأحمر من قرصنة للسفن التجارية عند مشارف مضيق باب المندب، ما هي سوى رسائل عالية النبرة تبعثها إيران إلى دول العالم عبر أذرعها في المنطقة، الواقعة كلها تحت سيطرة أمريكا والتحالف الدولي. تشير المعلومات أن هذا الاقتراح، أي حل الدولتين، لا بد له من العبور عبر بوابة غزة، كما ان الصراع القائم سوف يحدد آلية تطبيق القرار الدولي الخاص بجنوب لبنان رقم 1701، الصادر عام 2006 بشأن الصراع الإسرائيلي اللبناني.

تجدر الاشارة أن هناك إجماعاً دولياً على تطبيق القرار رقم 1701 وهو ما تسعى إليه فرنسا بمتابعة واهتمام من خلال الزيارات المكوكية لوزيرة الخارجية الفرنسية إلى لبنان وإسرائيل.

قد يكون تطبيق هذا القرار أصعب ما في هذه المرحلة بسبب تشابك المسارين: حرب غزة القائمة والاقتتال في الجنوب اللبناني، ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها بين إسرائيل وحزب الله. يؤكد هذه الحقيقة رئيس هيئة مراقبة الهدنة في مجلس الأمن الذي قال: “هناك خروقات كبيرة على طول الخط الأزرق لإسرائيل ولبنان”.

من الواضح أن هناك تبايناً ظاهراً بين أمريكا وإسرائيل في مقاربة كل منهما للصراع العربي الإسرائيلي.

لا شك أن إسرائيل عدوٌّ وجودي وتاريخي للعرب منذ النكبة عام 1948 ويُرجَّح بقاء الوضع الراهن معلقاً حتى حصول تسوية إقليمية شاملة في المنطقة. تجدر الإشارة ان هناك ايضاً حرباً قائمة بين روسيا وأوكرانيا منذ قرابة السنتين، وقد ابتلعت روسيا ما يقارب 20% من أوكرانيا، علماً أن اللاعب الرئيس في كلا الحربين هو الولايات المتحدة الأمريكية، المتصدية لكل من روسيا وإيران مع جميع أذرعها في المنطقة، ومعالجة غطرسه نتنياهو المعروفة.

جلّ ما نخشاه أن تطول حرب غزة كما وعد رئيس وزراء اسرائيل في حديثه مع بايدن بالأمس القريب، أو تتغير قواعد الاشتباك في جنوب لبنان بسبب خطأ غير مقصود، فيقع الجميع في المحظور، بسبب عدم الجدّية الأمريكية في التعاطي مع جميع هذه الملفات الشائكة ودُنوّ الانتخابات الأمريكية واهتمام الرئيس بايدن بها. هل هناك قطبة مخفيّة، اتفاق أمريكي إيراني يكشف عنه في الأشهر القادمة؟

ختاماً علينا ألا نضع تاريخ الأمم جانباً، فالحرب العالمية الأولى خير دليل، إذ أشعل شرارتها طالب جامعي باغتياله ولي عهد النمسا. بدأت الحرب أوروبية وانتهت عالمية لأربع سنوات، ذهب ضحيتها أكثر من عشرين مليون إنسان، غير أنها مهَّدت لتغييرات سياسية كبيرة وكانت أساساً لدعوات ثورات في دول عديدة.

هل نقترب من ولادة مباركة في مستهل العام الجديد 2024، يصحو فيها قادة المجتمع الدولي، فيصدر مجلس الامن قراراً بوقف شامل لإطلاق النار، تعود من بعده تباشير الحياة من جديد الى أهل قطاع غزة.

رعى الله شعب فلسطين وأيَّدهم بالنصر.

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal