تتحرك جبهة الجنوب اللبناني، وفقا لتطورات العدوان على غزة، فبعد الهدوء الذي سيطر على الحدود مع شمال فلسطين أثناء الهدنة، إستؤنفت المواجهات في المرحلة الثانية حيث تحقق المقاومة الاسلامية إصابات مباشرة في صفوف العدو، خصوصا بعدما أصابته بالعمى جراء تدمير كل منظومته التجسسية والرقابية على طول الحدود.
لم يتبدل نمط المواجهات الذي تعتمده المقاومة، لكنها عملت على تبديل التكتيك الميداني بإستيعاب حركة العدو وكيفية التعامل مع الأسلحة المتطورة التي يستخدمها ما ساهم في الحد من سقوط الشهداء على عكس بداية المواجهات بعد السابع من تشرين الأول الماضي، ما يعزز من قوة الردع ومن توازن الرعب القائم والذي يحاول المسؤولون الاسرائيليون تجاوزه بإطلاق التهديدات بتدمير لبنان وبإعادة المقاومة الى ما بعد نهر الليطاني بالقوة، فيما يسعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الى إستدراج حزب الله الى معركة مفتوحة مع علمه بأن ذلك لن يكون في مصلحة إسرائيل وحلفائها، لكنه يهدف من وراء ذلك الى حماية نفسه والبقاء على قيد الحياة السياسية أطول فترة ممكنة.
لا شك في أن لبنان لن يمنح نتيناهو هذه الفرصة، ففي السياسة يبذل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كل ما بوسعه لتجنيب لبنان الحرب، وهو يجري إتصالات واسعة مع أصحاب القرار عربيا وإقليميا ودوليا لوقف الاستفزازات الاسرائيلية، ويلاقي تجاوبا من الأكثرية التي لا تريد الحرب في لبنان خشية أن يؤدي ذلك الى إندلاع حرب إقليمية قد يعرف البعض كيف تبدأ لكن أحدا لا يعلم كيف ستنتهي، وما يضاعف من قوة لبنان هو التوازن الذي يقيمه ميقاتي بين السياسة وبين الميدان، فلا يتهاون في حق بلده الذي يريد السلام من دون أن يتأخر عن التصدي لأي عدوان، ويعوّل في الوقت نفسه على عقلانية وحكمة المقاومة في كيفية التعاطي مع العدو.
أما في الميدان، فإن المقاومة هي التي تتسلم زمام المبادرة، وتحدد أطر المواجهات التي تلحق الخسائر الكبرى بجيش العدو الذي يتعاطى بإرباك كبير دفعه الى إستهداف مركز عسكري للجيش في منطقة النبي عويضة – العديسة بقصف صاروخي ما أدى إلى استشهاد العريف عبدالكريم المقداد وإصابة 3 عسكريين آخرين، الأمر الذي ساهم في إلتفاف وطني أكبر حول المقاومة والجيش اللذين يخوضان المواجهات كل بحسب المهام المنوطة به، ما يعطي بُعدا أكبر لثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
أمام هذا الواقع، تبقى وتيرة المواجهات على جبهة الجنوب رهنا بسلوك إسرائيل، خصوصا أن المقاومة لن تسمح بتمادي العدو في إستهداف أي موقع في العمق اللبناني، ولن تسكت عن أي إغتيال قد يحصل، فضلا عن الخط الأحمر الكبير المتمثل بالحفاظ على المقاومة الفلسطينية ومنع إسقاطها، وبالتالي فإن أي حماقة إسرائيلية قد ترتكب في هذا الاطار قد تتسبب بالحرب المفتوحة التي لا تريدها أميركا التي بدأت تدرك المخاطر التي تحيط بمصالحها في المنطقة من تهديد السفن الى القواعد العسكرية، كما لا يريدها عدد كبير من المسؤولين الاسرائيليين الذي يواجهون نتنياهو بأنه يريد التضحية باسرائيل لتحقيق مصالحه الشخصية وتأخير محاسبته ومحاكمته بتهمة التسبب بأكبر إخفاق عسكري حصل في تاريخ إسرائيل.
يبدو أن الفترة المعطاة لنتنياهو أميركيا وأوروبيا قد بدأت تنتهي من دون أن يحقق أي إنجاز في غزة يمكن أن يدخله المفاوضات من موقع قوة، لذلك، ونتيجة الضغط الشعبي الهائل الذي يمارس على الدول المعنية وعدم قدرتها على الاستمرار في تغطية الجرائم الاسرائيلية، فإن الاتجاه لاحقا قد يكون نحو التضحية بنتنياهو للحفاظ على الكيان الغاصب.
Related Posts