من المقاومين إلى عروس الشّمال ″نورما″: ذكرى انطلاقة ″جمول″ الـ41 .. المقاومة مستمرة

قبل واحد وأربعين عامًا، وفي عزّ الاجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان الذي وصل بقواته إلى بيروت، انطلقت جبهة المقاومة الوطنيّة (جمول) معلنةً عن نفسها ببيان تأسيسي أصدرته، في تاريخ 16 أيلول 1982، لتكون باكورة عمليّاتها ضد الاحتلال في العمليّة الجريئة التي نفذها الشّهيد “خالد علوان”، حيث أردى فيها عددًا من جنود العدو في مقهى الويمبي في منطقة الحمرا في 24 ايلول 1982. وذلك بعد اسبوع واحد على الإعلان عن تأسيس الجبهة، لتكرّ بعدها سبحة عمليّات المقاومة الاستشهاديّة وغيرها؛ ومنها عمليّات الشّهداء: وجدي الصايغ، سناء محيدلي، لولا عبّود، جمال ساطي، ابتسام حرب، وكثيرون سواهم من باقي فصائل المقاومة اللبنانيّة الذين نثروا أجسادهم الطاهرة على أرض الجنوب؛ فتمكّنوا من تغيير المعادلات وقلبها مانعين العدوّ من إدخال لبنان في “العصر الإسرائيلي”.
مع احتلال جيش العدوّ الإسرائيلي للجنوب والعاصمة بيروت، هبّ الوطنيون من كلّ المناطق، وخصوصًا من أهالي شمال لبنان في طرابلس وعكار، لمواجهة المحتلّ وطرده ودحره من لبنان. فبرزت أسماء عدّة، منها: ابن تكريت العكارية الشّهيد “علي غازي طالب”، ابن الميناء في طرابلس “حسام حجازي”، ابنة الحيصة العكاريّة الشّهيدة “فدوى غانم”، وجميعهم أتوا من أقصى الشمال لينفّذوا عملياتهم، على أرض الجنوب الغالي.
واحدة من استشهاديات جبهة المقاومة الوطنية المغمورات، والتي لم تشتهر كرفيقتها “سناء محيدلي”، هي الاستشهاديّة “نورما أبي حسّان” التي ولدت في محلّة القبة في طرابلس سنة 1959، وعاشت فيها وفي إيطو زغرتا، وتخرجت معلّمة أطفال من دور المعلمين. كما حازت على شهادة جامعيّة في العلوم الاجتماعيّة، قبل التحاقها بجبهة المقاومة الوطنيّة سنة 1985، واستشهادها بعمر 26 عامًا في 17 تموز 1986، حينما اقتحمت بسيارتها المفخخة قافلة عسكريّة لجيش العدوّ وعملائه في ساحة جزّين جنوب لبنان.
ما يميّز الشّهيدة “نورما”، والتي لُقّبت بـــــ”عروس الشّمال”، عن سواها نخبويتها ومستوى ثقافتها، والتي ترجمتها بأعمال فنيّة وأدبيّة عبّرت فيها عن مدى عشقها لأرض الجنوب وفلسطين، ومدى تعلّقها بقضية أمّتها. فكتبت بتواريخ مختلفة من تشرين الثاني 1985 ، أي قبل استشهادها بحوالي تسعة أشهر سلسلة وصايا ورسائل توجهت بإحداها إلى أمّها حدثتها فيها عن جنوب لبنان أنّه قطعة من قلبها، وعن فلسطين أنّها أيقونتها المقدّسة. كما أوصت تلامذتها؛ فخاطبتهم قائلة:”أردت تأمين حدود بلادكم وتحديد هويتكم، وهذا أولى بكثير من تعليمكم الكتابة والقراءة، وأولى بكثير من تعليمكم تاريخًا مزورًا”.
أمّا رسالتها الأخيرة؛ فخطّتها الشهيدة “نورما”، وخصّت بها أهلها في الجنوب، فقالت لهم :”ها أنا قادمة بضع خطوات، وأكون معكم عروسًا تزفونها في زمن الشّهادة الى أرواح الأبطال الشهداء وجدي وبلال وابتسام وسناء وخالد وعلي ومريم ومالك ونزيه وهشام ورولا وراغب. جئت من الشّمال كي أنفّذ وعدي وعهدي اليكم بتحرير الأرض أرض الجنوب الغالية”.
لم تكتفِ الشّهيدة “نورما” بوصيتها تلك؛ بل دوّنت سيرة حياتها، فأضاءت على سيرتها النضاليّة، من خلال أقوالها وكتاباتها المعبّرة، والتي تضمّنت أعمالًا نثريّة وقصائد شعريّة، تُترجم بشغف معاني الاستشهاد، ومن بينها قصيدة “شماليّة المولد جنوبيّة القلب”. كما كتبت الشّهيدة “نورما” قصصًا وروايات ومسرحيات تدور كلّها في فلك الاستشهاد والعدوّ الاسرائيلي والشّعب المقاوم. وصولًا إلى توجيه “عروس الشّمال” قبل استشهادها دعوتها لجميع اللبنانيين لحضور حفل زفافها على تراب الجنوب.
طموحات وأحلام الشّهيدة البطلة “نورما أبي حسّان” لم تكن تحدّها حدود، ولأنّها ثائرة ..ثائرة على كلّ ما عايشته من واقع أليم في لبنان، اختصرت كلّ تلك الاحلام بحلم الشّهادة، الحلم الوردي الذي رأت فيه الحلّ الذي سيغيّر الواقع وسيحقق تنشئة وطنيّة لا طائفيّة، وسيحرّر الأرض ويحطّم الأعداء.. وهو ما تحقق فعلًا بفضل دمائها ودماء رفاقها في جبهة المقاومة الوطنيّة وفصائل المقاومة الوطنيّة والإسلاميّة كافّة، ممن ساروا على نهجها الاستشهادي المقاوم، فكان أن استمرت المقاومة جيلًا بعد جيل حنى تحقق النصر والتحرير في 25 أيار العام 2000، فأنار مشعلًا للشعب الفلسطيني في طريقه نحو الحريّة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal