قبل أكثر من سنة ونصف السنة تقريباً جرى إغلاق منشآت نفط طرابلس الموجودة في البداوي، بقرار قضائي ـ سياسي.
كان التبرير يومها أنّ موظفين قاموا بسرقة كميات من مادة المازوت الموجودة في خزانات المنشآت، وسرقة أغطية حديدية وغيرها من المعدات، ما اعتبر جرماً لم تتوقف تداعياته عند توقيف المتهمين والمشتبه بهم وإحالتهم إلى القضاء المختص، إنّما امتد الجرم إلى إقفال المنشآت نهائياً، بقرار لا يمكن تفسيره إلا بأنّه استهداف للمنشآت وطرابلس والشمال معاً.
أكثر من سؤال طُرح يومها وما يزال حول الأسباب المنطقية التي أملت على جهات قضائية إغلاق منشآت عامّة بهذا الحجم بقرار، خصوصاً بعد توقيف المشتبه بهم، ولماذا تبقى المنشآت مغلقة طيلة الفترة السابقة، برغم الحاجة الماسة لتشغيلها من أجل تزويد المؤسّسات العامة بما تحتاجه من محروقات، مثل مولدات مؤسسة مياه لبنان الشمالي وسنترالات الهواتف العمومية التي توقفت عن العمل مراراً بسبب نفاد كميات المازوت من خزاناتها، ولتلبية حاجات السوق المتزايدة للمشتقات النفطية كافة؟.
لم يجب أحد عن هذه الأسئلة وغيرها، وبقيت أبواب المنشآت مقفلة، والموظفون والعمال لا يداومون فيها، وتعطلت جميع مرافقها ما ألحق أضراراً كبيرة بمختلف القطاعات على اختلاف مشاربها، ودفعت المنشآت ثمناً لأخطاء موظفين من جهة، وتبعات قرار غير منطقي من جهة أخرى، إلى حد ذهب البعض معه إلى اعتبار أن هناك أهدافاً مشبوهة تقف خلف القرار.
خلال الفترة السابقة وُجّهت نداءات عدّة للمسؤولين من أجل فكّ اسر المنشآت وإعادة فتحها مجدّداً، لكن بلا جدوى، ومن غير أن تعرف الأسباب الحقيقية لذلك، لأنّه ليس منطقياً أن تبقى المنشآت مقفلة، ولأنّه أيضاً يمكن معالجة الأسباب وتصحيح الأخطاء وسدّ الثغرات، من خلال تعزيز وتشديد إجراءات الرقابة والتفتيش، لأنّه ليس من المنطق أن تبقى المنشآت مقفلة فترة زمنية طويلة بلا أيّ موعد لإعادة تشغيلها.
لكنّ هذا الإغلاق كسرته قبل أيّام صهاريج يزيد عددها على العشرين صهريجاً دخلت خلسة إلى المنشآت، وقامت بتعبئة خزاناتها من المازوت، تمهيداً لنقلها إلى العاصمة من أجل تلبية حاجات مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان التي نفدت مادة المازوت من خزاناتها، الأمر الذي هدد بتوقف مضخاتها عن العمل، وتوقف تزويد المشتركين بالمياه.
ما حصل طرح أسئلة عديدة، من أبرزها:
أولاً: إذا كان الدافع وراء إعادة فتح المنشآت سراً هو تأمين حاجة مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان للمازوت، منعاً لحصول أزمة مياه، فأين كانت هذه الحمية عندما حصلت أزمة مشابهة في مؤسسة مياه لبنان الشمالي، وتحديداً في طرابلس، التي عاشت أياما صعبة بسبب التقنين القاسي للمياه الذي عاشته، وانقطاعها عن عدد كبير من أحيائها بسبب نفاد مادة المازوت من خزاناتها؟
ثانياً: بعد أسابيع قليلة سيحلّ فصل الشتاء، ومعه ستزداد حاجة المواطنين إلى مادة المازوت من أجل التدفئة. فهل ستبقى المنشآت مقفلة، أم ستفتح سراً أيضاً فقط لتزويد بقية المناطق بما تحتاجه من المحروقات، وتبقى طرابلس والشمال تعانيان القلّة والبرد؟
ثالثاً: إذا كان بالإمكان تزويد المناطق بمادة المازوت من المنشآت، فإنّه أصبح بالإمكان أن تفتح أبوابها والعودة الى العمل بشكل طبيعي، ولا داعي لإقفالها، وإذا كان ممكناً أن تفتح بشكل إستثنائي وسرّاً، فلماذا لا تفتح بشكل دائم وعلناً؟.
Related Posts