قبل أن تنقضي المهلة التي أعطاها الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، وهي آخر شهر آب الجاري للردّ على رسالته التي وجّهها إلى الكتل والنوّاب بخصوص مواصفات رئيس الجمهورية المقبل والحوار الذي دعت إليه بلاده في سفارتها في قصر الصنوبر خلال شهر أيلول المقبل، جاءه ردّ المعارضة بالرفض مسبقاً للرسالة والحوار معاً، ما يعني أنّ الحَراك الفرنسي أُجهض باكراً، وأنّ الدعوة إلى الحوار ماتت قبل أن تولد.
فبعدما وقّع 32 نائباً من المعارضين والتغييرين والمستقلين على بيان أعلنوا فيه بكل وضوح وصراحة رفضهم رسالة لودريان، ونيّتهم عدم الردّ عليها، إنضمت إليهم القوّات اللبنانية في رفضها الرسالة ودعوة الحوار معاً، على لسان نائبها عن البترون غيّاث يزبك، الذي أوضح أنّ تكتل الجمهورية القوية “إتّخذ قراراً لجهة عدم الرّد على رسالة لودريان”، كاشفاً أنّ التكتل “لن يشارك في الحوار”، مبرّراً الرفض إنطلاقاً من مبدأ “رفض المقايضة مع حزب الله الذي على أساسه سيعقد الحوار” وفق رأيه، وأنّ “لا نقبل أيّ حوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية”.
مواقف المعارضة من رسالة لودريان والدعوة إلى الحوار سيجعل دوائر سفارة “الأم الحنون” في قصر الصنوبر تنتظر طويلاً قبل أن يصلها أيّ ردّ على الرسالة والدعوة إلى الحوار، وهو قد يكون على الأرجح إنتظاراً بلا معنى وبلا نتائج، لأنّ أجواء الكتل والنواب توحي مسبقاً أنّ أيّ ردّ لن يصدر عنهم، وأنّ المهلة المتبقية حتى نهاية الشّهر الجاري لن تكون للنقاش حول الرسالة والحوار، بل للتبرؤ منهما، وعدم قبول معظم الأطراف، كلّ لأسبابه وخلفايته، بالدور الفرنسي.
ما سبق يعني أنّ المسعى الفرنسي لملء الوقت الضائع من هنا حتى نضوج التسوية، خارجياً وداخلياً، سيستمر طويلاً، وأنّ توقعات كثيرة تشير إلى أنّ هذا الوقت الضائع سيستمر حتى مطلع العام الجاري، أيّ أنّ الفترة المقبلة لن تشهد أيّ إنفراج متوقع، وأنّ ما يُحكى عن حلحلة ما في شهري أيلول أو تشرين الأوّل المقبلين ليس سوى محاولة لإشاعة أجواء إيجابية ليست موجودة عملياً، بل تهدف إلى إبقاء الوضع مضبوطاً وعدم خروجه عن السيطرة سياسياً وأمنياً، بانتظار وصول كلمة السّر.
إلى ذلك الحين لا شيء يؤكّد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد إستقراراً سياسياً وأمنياً ومالياً، وكذلك العكس ليس مؤكّداً بدوره، لكنّ إتساع رقعة الفراغ في ضوء الأزمة السّياسية القائمة، من الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، إلى الفراغ على رأس حاكمية مصرف لبنان، إلى استمرار الفراغ الحكومي ولو تحت شعار تصريف الأعمال، وصولاً إلى الفراغ المحتمل على رأس قيادة الجيش مطلع العام المقبل، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ينذر بأيّام صعبة مقبلة على البلاد لا أحد يعرف كيف ستواجهها.
Related Posts