إسترعى انتباهي حالة دفعتني الى كتابة هذا المقال لانها حالة تستحق الكتابة ومحط فخر واعتزاز. منذ حوالي اسبوع وبينما كنت سالكا طريق بيروت طرابلس، اقليت في سيارتي عسكريا كان على جانب الطريق متجها إلى مكان سكنه.
وفي الطريق تحادثنا من دون أن أُعرّف عن نفسي بانني عميد متقاعد في الجيش اللبناني .
وفي سياق الحديث عن إنخفاض ملحوظ في حالات الفرار من الجيش، توقفت عند عبارة قالها”كنت في الجيش أعيش وعائلتي برفاهية ايام البحبوحة، فلن أتركه في ايام الشدة، سنة او سنتين وتمر”.
كبُر في عيني هذا العسكري الذي لا يتجاوز راتبه الآن رغم كل المساعدات الاجتماعية ١٠٠ دولار أميركي، وايقنت أن المؤسسة العسكرية كما تركتها بالف خير طالما أن مبدأ عدم “ترك” الجيش في وقت المحن أضحى في صميم العقيدة العسكرية .
إن هذه الذهنية تعكس إحساس العسكريين بأن القيادة في شخص قائدها العماد جوزاف عون لن تدعهم في هذه الأزمة المعيشية الصعبة.
فقائد الجيش إحساسا منه بأهمية الاستثمار في الأمن في هذه المرحلة العصيبة، عمل جاهدا لتحسين الظروف المعيشية والحياتية للعسكريين إضافة الى تحسين طبابتهم بشكل لافت في مجال المعاينة والاستشفاء لما لا يقل عن ٤٥٠الف مستفيد( خدمةفعلية ومتقاعدين مع عائلاتهم من هم على العاتق) ناهيك عن تأمين الدعم اللوجستي للوحدات العسكرية للحفاظ على جهوزيتها الدائمة.
إن العماد جوزاف عون الذي إنتسب إلى المؤسسة العسكرية منذ اكثر من أربعين سنة، وصل إلى سدة القيادة بتفانيه وعمله، فهو عماد استثنائي، قاد الجيش وحافظ على السلم الأهلي في ظرف دقيق ومعقد قلما عرفه العالم.
بعد أن عجزت السلطة السياسية عن دعم هذه المؤسسة ، وحرصا منه على تأدية الجيش مهماته في هذه المرحلة، تطلع الى الخارج لاسيما الدول الشقيقة والصديقة حيث لبت طلباته مشكورة من هبات مختلفة لوجستية وماليه تصرف وتوزع بصورة عادلة في مجالات مختلفة على سبيل المثال لا الحصر مساعدة ماليه موحدة لجميع العسكريين مهما كانت رتبهم، تحسين الطبابة من حيث التجهيزات والمستلزمات والكفاءة إضافة إلى رفع جهوزية الجيش من حيث التدريب والعتاد وغيرها.
إن ارسال هذه الهبات لاسيما المالية مباشرة الى خزينة الجيش دون المرور بوزارة المال يعود إلى ثقة الدول المانحة بقيادة الجيش .
فالآلية المعتمدة في الانفاق تجيز وتحدد كيفية الصرف بموجب برقيات ومراسلات ومستندات داخلية موثقة .
إن هذه الآلية الاستثنائية تعتمد على الشفافية والدقة والسرعة في التنفيذ تدل على ان ” البوط العسكري” هو دائما تحت سقف القانون لكن الظروف تتطلب آليات قانونية استثنائية في مواجهة ظروف معينة.
ومن هذا المبدأ أيضا وحرصا منه على التقيد بقانون الدفاع الوطني، طلب العماد جوزاف عون من السلطة السياسية تعيين رئيس جديد للاركان بعد إحالة اللواء الركن امين العرم على التقاعد لأنه وفقا للقانون المذكور في حال تعذر تعيين قائد للجيش تناط صلاحياته الى رئيس الأركان دون سواه في تسيير أعمال القيادة.
اما بالنسبة لموضوع رئاسة الجمهورية استذكر هنا ما قاله القائد في آخر لقاء جمعني به خلال عشاء ذكرى الأربعين لدخولنا الجيش أقامته دورة “شهداء الجيش” وهي الدورة التي سميت بها دورتنا ،وهو منها والتي أصبح كافة خريجيها في مرحلة التقاعد حيث قال :”انه يتطلع إلى الالتحاق بنا عند بلوغه السن القانونية”.
فهو لا يتطلع إلى منصب الرئاسة بقدر ما يتطلع إلى الحفاظ على تماسك الجيش والحفاظ على السلم الأهلي ليصار الى تسليم أمانة القيادة في الرابع عشر من كانون الثاني المقبل الى خلفه والجيش بحالة ممتازة بعد أن انهارت كافة مقومات الدولة في أسوأ انهيار عرفه العالم في التاريخ الحديث.
فهو دون أدنى شك مرشح طبيعي للرئاسة كأي مواطن ماروني ولكن نجاحه في قيادة الجيش وتقدير اللبنانيين لانجازاته وإخلاصه ووفائه دفع الى ان يكون من المرشحين البارزين لتلقف كرة النار الرئاسية ليخرج اللبنانيين من “نار جهنم” ويدخلهم الى النعيم .
أيها القائد يكفيك فخرا انك قمت بكامل واجباتك، وحافظت ومازلت على علم البلاد، والذود عن وطنك لبنان وفقا لقسمك العسكري، وانك محط تقدير واحترام كافة اللبنانيين .
سدد الله خطاكم وحقق أهدافكم في سبيل صون وحماية لبنان دولة ومؤسسات.
كل عيد جيش ولبنان ومؤسساته وشعبه بخير وسلامة وأمان.
الكاتب: العميد الركن المتقاعد فواز عرب رئيس مركز الفيحاء للدراسات الاستراتيجية*
Related Posts