أكد شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز سامي أبي المنى على “أهمية بناء الدولة بمؤسساتِها، وحماية دستورِها واحترام قوانينِها”، آملا أن “يستشعرَ المسؤولون خطر المماطلة في التجاذب وتفريغ المؤسسات”، ومتسائلاً عن “الميثاقية في شغور بعض المواقع الأساسية من أصحابها الأصيلين، في استباحةٍ موصوفة لا تليقُ بالعدالة ولا تُطمئنُ المواطنين ولا تُعزِّزُ ثقةَ الناس بدولتِهم”.
وتوجّه بنداء الى المسؤولين والمشايخ داخل الطائفة، “لإصلاح ذات البَين والتلاقي على المصلحة العامة”، متسائلا: “هل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في مواجهة الزعامة السياسية؟ وهل تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟”
وفي كلمة له من مقام النبي أيوب في نيحا الشوف، توجه شيخ العقل الى الحاضرين بالقول :”أحيِّيكم باسمي وباسم إخواني في المجلس المذهبي، وأخاطبُكم من موقعِ مشيخة العقل، موقعِ السلطة الدينية المكرَّسة قانوناً وعُرفاً لخدمة الطائفة ومشايخِها وعمومِ أبنائها، فنحن بعونه تعالى وببركة مشايخِنا الصَّفوةِ الأجلَّاء الذين ميَّزهم اللهُ بتقواهم وثباتِهم، قبل أن يُميَّزوا بعمائمِهم الناصعةِ النقيَّةِ، أولئك الذين يُعبِّرون بصدقٍ عن سموِّ مسلك التوحيد وأهلِه، والذين لم يبخلوا علينا بالدعاء والإعانة والاحتضان، وإننا بذلك مطمئنون لنوايانا الطيّبة ولنواياهم الصافية، وواثقون بتوجُّهِنا الخالص لوجه الله وبدعوتِنا الصادقة لجمع الشمل وتلاقي الجميع على كلمةٍ سواء.
هذا التوجُّهُ الذي نفتخر به ونُصِرُّ عليه، مهما ووُجه بالصَدِّ والردِّ ومحاولات إفشال المهمَّة وعرقلة المسيرة، بما يعنيه ذلك من الألم و”النغصة” في المجتمع الديني، لكنَّنا مقتنعون بنهجِنا وانفتاحِنا، ومصمّمون على السير قُدُماً، ومع مشايخِنا الأجلَّاء وإلى جانبِهم، لتجاوز الصعوبات والعراقيل ولاستكمال مهمة جمع الشَّمل وتمتين العلاقة مع جميع أركان الطائفة، بما نلقاهُ من الدعم والمساندة، وعلى الأخصِّ من الزعيم الوطني وليد جنبلاط الذي يعتزُّ تاريخُنا وحضورُنا الوطنيُّ به وبحكمته وحرصِه على صَون الطائفة والوطن، ونعتزُّ نحن بثقتِه التي وضعها بشخصِنا منذ البداية والتي هي وسامُ عزٍّ وتشريف بقدر ما هي مسؤوليةٌ وتكليف”.
أضاف: “نحن مطمئنون، والحمدُ لله، بنيّتِنا وبرؤيتِنا وبإرادتِنا وباجتماعِنا، مطمئنون بعلاقاتِنا المتوازنة والمتّزنة مع جميع الطوائف، وبحضورِنا الفاعل على مستوى الوطن وتمثيل الطائفة، فلنكن مطمئنين وأقوياءَ بالثقة الداخلية ونبذِ التفرقة واحترام القانون، فللطائفة مجلسُها المذهبي وقانونُه الرسمي الذي يجبُ أن يُحترَم، ولنا من العقل والحكمة والأناة ما يخوِّلُنا التعاطي الإيجابي مع الواقع ومع الآراء المختلفة والملاحظات البنَّاءة للتقدُّم إلى الأمام، فلماذا نُفسِحُ المجالَ لتشويه الصورة ولتصادم شبابِنا عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في مواجهة الزعامة السياسية؟ أم يقضي الواجبُ المحافظةَ على المهابة الروحية لمشايخِنا الأجلَّاء، والمحصّنةِ بالعلم والعمل والتقوى لتتكاملَ الدعامتان وتقويَّان بعضَهما بعضاً وتحميان الطائفةَ من المخاطر؟ وهل تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟ إننا نوجِّه النداءَ من هذا المكان المبارَكِ لإصلاح ذات البَين والاعتراف الصريح والتلاقي على المصلحة العامة، ففي ذلك نجاحٌ للجميع وتحصينٌ للطائفة، وتحصينُها يكونُ أقوى بوحدة أبنائها وتماسكِهم، وبوحدة المجتمع الديني التي هي أساسُ وحدة الطائفة وقوّتِها.
هذا ما نرجوه صادقين وما ندعو إليه مخلصين وما نسعى إليه واثقين”.
وتابع: “ولتكن مناسبةُ الأوَّل من محرَّم وبدايةُ السنة الهِجرية الجديدة حافزاً لنا لإحياء الأمل بالارتقاء إلى ما منحتنا إيَّاه مثلُ هذه الأيَّام المبارَكة عند انطلاقة الدعوة إلى هذا المسلك التوحيديّ الشريف من عزَّةِ انتماءٍ وشرفِ انتساب، وقد شكَّلتِ الدعوةُ البدايةَ والقاعدةَ لهذا الدور الجديد السعيد، منذ انبلاج صباح الأول من محرَّمَ عام أربعمائة وثمانٍ للهجرة؛ هذه الدعوةُ الأِسلامية التوحيدية التي فتحت البابَ لحركة ارتقاءٍ مطَّرد ومسافرةٍ دائمة نحو غاية الدين والرسالات السماوية، حيث الحكمةُ هي غايةُ الكتاب المُنزَل وضالَّةُ المؤمن، يبحثُ عنها في آياتِ الله المُحكَمات ويسعَى لإدراكِها بالعلم والعمل، وحيث الدعوةُ لتحقيق غايةِ الفرائض الدينية جُهدٌ متواصلٌ وتحقُّقٌ مستمرّ لتكونَ تلك الفرائضُ خصالاً توحيديةً، طوعاً لا فرضاً، ومعنىً لا مظهراً، وروحاً لا جسداً”.
Related Posts