انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية ما زال الحدث الأبرز، بالرغم من مضي تسعة أشهر دون نتيجة والفراغ ما زال مستمراً في سدة الرئاسة. جمود سياسي وانقسام عامودي حاد في الساحة السياسية اللبنانية، يصاحبهما استحقاقات قادمة لا تقل أهمية من حيث تأثيرها على المشهد اللبناني المتعثر: استحقاق حاكمية مصرف لبنان، شغور في منصب رئيس الأركان في قيادة الجيش، ناهيك عن شغور منصب قائد الجيش اللبناني المرتقب في أوائل السنة الجديدة، وكأنه كُتب على لبنان أن تستمر فيه عجلة التعطيل في جميع مؤسساته إلى حد سقوط آخر أعمدة الدولة.
كل هذا يأخذنا إلى نظرية قديمة طرحت في بعض مراكز القرار الدولي التي تعتبر أن فَكّ وإعادة تركيب لبنان أقل كلفة من ترميمه. والسؤال هل هذا ما نشهده اليوم؟ معلوم أن تَحلُّلْ الدولة هدفه تقويض الحكم تدريجياً، تمهيداً لهدم الهيكل بأكمله، على أن يُبنى لبنان المستقبل على أسس جديدة. بعيداً عما تقدَّم، أهكذا يبنى الوطن؟ ولماذا الدعوة إلى حوار ثبت عدم جدواه منذ ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 سنة والتي انتهت بإعلان اتفاقية الطائف كقاعدة ثابتة رضي بها جميع الأفرقاء، إنما لم يطبق معظم ما جاء فيها من بنود وذلك بسبب فساد وإهمال الطبقات السياسية التي توالت على الحكم في لبنان.
شهد لبنان حوارات عدة أنتجت تفاهمات واتفاقيات بمظلات إقليمية ودولية تضمنت قرارات أممية وكذلك قرارات المحاكم الدولية ذات الصلة، بيد أنه لم يطبق منها أي قرار ووضعت جميعها في ثلاجة التركيبة اللبنانية وارتباطاتها الخارجية. لماذا كل هذا الجدل والتشدد بالموقف الواحد ولبنان قائم على نظام حر ديمقراطي وبرلماني، ينضوي تحت الأطر الدستورية القائمة وقوانين مُحكمة أجمع عليها اللبنانيون دون استثناء. للأسف اجتهد فيه الساسة، فعمَّ الفساد وكثر النفاق السياسي، بدءا بانتقائية الدستور والقوانين المرعية ذات الصلة حسب أهواء كل فريق سياسي كبر شأنه أو صغر وأصبح ساسته يمارسون الدستور أشبه بـحسب الطلب (à la carte) ووصلنا إلى ما نحن عليه الآن من فوضى قائمة. هل يوجد في لبنان الشخص اللامنتمي حتى نتحدث عن رئيس توافقي؟
المطلوب أن يتقدم الجميع نحو تصحيح المسار: فلتشرَّع أبواب المجلس النيابي من جديد ويطلق رئيسه الجلسات الانتخابية لمنصب الرئيس وتتوالى الجلسات دون توقف أو تعطيل تحت اسم ديمقراطية النصاب. يرشح كل فريق سياسي مرشحه حسب الأطر الدستورية والقوانين المرعية ويفوز من يفوز ويعمّ نهج الحرية ومبادئ الديمقراطية في لبنان بعد تحييده عن سياسة المحاور الإقليمية فتنطلق عجلة الإصلاح في جميع مؤسسات الدولة لتقويم ما تم إفساده.
إن جميع المراكز الشاغرة أياً كانت من الفئة الأولى في الدولة يحميها الدستور والقوانين المنوطة بها، فلتطبق هذه القوانين دون تسييس أو اجتزاء. بالمحصلة ما يهمنا من مجمل الأزمة اللبنانية الخانقة ركنان أساسيان هما الاقتصاد والأمن. ولاستمرارهما علينا حماية القطاع المصرفي الذي هو الشريان الرئيسي في السوق المالي المحلي والدولي، كذلك حماية المؤسسة العسكرية وعدم إقحامها في هذا السجال الصاخب.
حسب قانون النقد والتسليف، وانشاء المصرف المركزي، لاسيما المادة 25 منه، يؤول منصب الحاكم عند الشغور إلى نائبه الأول، بغض النظر عن ردات فعل نواب الحاكم الأربعة في حال استقالة أي منهم. خلاصة القول إن كل ما يدور حول الحاكم رياض سلامة من شؤون قضائية وتكهنات سياسية ما هي إلا حروب صغيرة خاصة قد أراد بها البعض تصويب السهام على الحاكم أو الدفاع عنه وجميعها تقع في خدمة مصالحهم الخاصة. فلندع القضاء اللبناني المختص يتولى أمرها ويحكم بشفافية وتجرد في قضية حاكم مصرف لبنان حتى يقفل هذا البازار المحلي والإقليمي.
أما بخصوص شغور منصبي رئيس الأركان وقائد الجيش، فيترك هذا الأمر إلى قدرة وحكمة رئيس هذه المؤسسة العسكرية بالتنسيق مع رئيس الحكومة غير المكتملة ليصار إلى حلول مرضية لدى جميع الأطراف المتصارعة على أن يكون الرابح الرئيسي هو المؤسسة والمواطن. أما عما يُدار في عواصم القرار للّجنة الخماسية مع ممثليها في الشأن الرئاسي اللبناني وما صدر من قرارات فما زال البحث جارياً ويبدو أن ليس هناك في الأفق القريب من حل شامل للبنان أقله في عام 2023.
عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً..
الكاتب: المهندس شفيق ملِك
المصدر: سفير الشمال
Related Posts