ذاكرة حرب تموز 2006.. يوم إحتضنت طرابلس النازحين من أهالي المقاومين!..

سبعة عشر عامًا مرّت على حرب تموز 2006، وذاكرة اللبنانيين بمختلف مناطقهم لا تزال تختزن صور النازحين، من الضاحية والجنوب والبقاع تحت نيران قصف جيش العدو “الاسرائيلي” العشوائي والهمجي، وهول المجازر التي ارتكبها آنذاك. للطرابلسيين كما سواهم في باقي المناطق حصة وازنة من تلك الذكريات، يستذكرون فيها يوم هبّ الناس من مختلف فئاتهم واصطفوا خلف مقاومتهم وجيشهم، مجسدين نموذجًا عمليًا وواقعيًا للمعادلة الردعية التي حمت وتحمي لبنان، يوم تناغمت مدينة الفيحاء مع تاريخها المقاوم، فوفت لدماء شهدائها السابقين (نورما أبي حسان وحسام حجازي وغيرهم)، وناضلت كي تستيعد إبنها الاسير يحيى سكاف من عتمة سجون الاحتلال.

خلال عدوان تموز 2006، رسّمت طرابلس ومعها الشمال مع باقي المناطق اللبنانية حدود السيادة الحقيقية لا الوهمية، فكانت شريكة حقًا في دعم المقاومة وأهلها في الدفاع عن لبنان بوجه الاعتداءات “الاسرائيلية”، مانعة بذلك أن يتكرر مشهد العدوان عليها كما طالها عقب اجتياح لبنان في حزيران 1982، يوم قصف العدو باخرة انطلقت من ميناء طرابلس باتجاه قبرص مرتكبًا مجزرة مروعة بحق خمسة وعشرين شخصًا كانوا على متنها، ويوم قصف العدو جزيرة الأرانب التي إستشهد فيها عدد من المجاهدين.

في تموز، وفيما كان المقاومون الأبطال يسطرون الانجازات والبطولات بوجه الآلة العسكرية “الاسرائيلية”، كانت طرابلس تفتح بيوتها لتحتضن أهاليهم وأقاربهم، رافضة نزولهم في المدارس، فهم أهل البيت ولم يحلوا ضيوفًا عليها. في مشهد يكبر القلوب ويظهر حجم الانصهار الوطني ونوع الدماء التي تجري في عروق هذا الشعب والتي سرعان ما تظهر في عز الأزمات والشدائد.

لطرابلس وساحاتها مع حرب تموز 2006 ذكريات كثيرة، منها يوم صدحت مكبرات الصوت وتردد صداها في أرجاء ساحة التل، أثناء بثّ كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، التي أعلن فيها عن تدمير المدمرة الإسرائيلية “ساعر” في عرض البحر، قائلاً برسالة صوتية عبر محطة “المنار” التلفزيونية عبارته الشهيرة: “المفاجآت التي وعدتكم بها، سوف تبدأ من الآن، الآن في عرض البحر في مقابل بيروت، البارجة العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين، أنظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة”.

خطاب السيد نصر الله هذا ألهب حماسة اللبنانيين والعرب جميعًا يومها، ومنهم الطرابلسيين الذين مدّهم بجرعة كبيرة من المعنويات، دفعت الشبان منهم لمساندة هيئة دعم المقاومة في جمع التبرعات في ساحات المدينة، على وقع أناشيد مؤيّدة للمقاومة، مستظلين العلم اللبناني وراية حزب الله وبقية الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية، إلى جانب صور الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وكان الإقبال من أبناء عاصمة الشمال على التبرع كثيفًا يومها.

في المحصلة، فإن مشهد طرابلس وتفاعلها مع تصدي المقاومة للعدو واحتضانها للنازحين، والذي عبّر عن نفسه بمظاهر فرح مختلفة كتوزيع الحلوى وتنظيم المسيرات الداعمة والمؤيدة، أظهر صلابة ووحدة الموقف الشعبي اللبناني خلف المقاومة، وشكل أفضل تعبير عن تجذر المقاومة في عمق وجدان المجتمع اللبناني بكافة مذاهبه وأطيافه. وإن كان قد عكس في نفس الوقت مدى عجز الدولة اللبنانية عن قيامها بمهامها تجاه شريحة كبيرة من اللبنانيين، لم تعمل على توفير الملاجئ الآمنة لهم ولم تمدهم بمقومات الصمود، وحينما هجروا من بيوتهم خلال العدوان الغاشم لم تكن قادرة على توفير البدائل لهم، أو حتى مجرد إيواءهم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal