في كل أحد يرفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الصلوات على نية أن يهدي الله المسؤولين الى كلمة سواء تحقق مصلحة لبنان، ويطلق في عظاته المواقف العنيفة ضد “الجماعة السياسية” المستهترة بواجباتها في إتمام إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، بينما المواقع المسيحية تتدحرج تباعا ليحل مكانها الفراغ.
ما يزال البطريرك الراعي يحرص على إعتماد لغة التعميم، ويحاول بين الحين والآخر تجهيل الفاعل، منعا للإحراج، وللصراعات الجانبية، لكنه يُدرك تماما أن الأزمة مسرحها ساحته المارونية التي لم يعد قادرا على ضبطها، وبنفس الوقت على الاستمرار في مراعاة مكوناتها المتصارعة والتي يسعى كل منها الى أن يشدّ “اللحاف البطريركي” لصوبه، ما ينعكس في بعض الأحيان تناقضا في عظات الراعي بسبب رغبته في إرضائها لتبقى تحت جناحيه.
لا شك في أن التطورات الأخيرة أظهرت أن الهوة تتعمق تدريجيا بين البطريرك الراعي والتيارات المسيحية، خصوصا أن رأس الكنيسة المارونية لم يستطع أن يجمع النواب المسيحيين على حوار سياسي بفعل الشروط والشروط المضادة ومحاولة كل فريق تجيير اللقاء لمصلحته، في حين عاد المطران أنطوان أبي نجم من جولته على القيادات المسيحية خالي الوفاض، ما إضطر الراعي وبهدف حفظ ماء وجه بكركي على أن يدعو النواب الى جلسة صلاة وتأمل خالية من السياسة ورغم ذلك غاب 11 نائبا، ولم تفض الى أي تقارب مسيحي بل على العكس فإن الساحة المارونية تتجه نحو كانتونات سياسية متصارعة مع بعضها البعض ما سينعكس سلبا عن مجمل الاستحقاقات المقبلة.
بات واضحا ان مواقف البطريرك الراعي العمومية لن تساهم بأي شكل من الأشكال في ايجاد أي خرق في جدار الأزمة بل ربما بات عليه ان يسمي الأشياء بأسمائها وان يعترف ان الخلل مرده الى رعيته السياسية التي ترفض الحوار، كما ترفض التوافق على مرشح رئاسي، وعندما حصل تلاق على مستوى نيابي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية كان الاتفاق على التعطيل وعدم انتخاب رئيس.
كما لا يمكن للبطريرك ان يتهم الجميع بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، في وقت يوجد فيه لدى الفريق الآخر مرشح معلوم وجدي لطالما طالبت القوات اللبنانية ومعها بعض المعارضة بالكشف عن اسمه لينازل مرشحها النائب ميشال معوض في مجلس النواب وفقا للعملية الديمقراطية، وعندما تم الاعلان عن دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية اتجهت القوات الى التعطيل متخلية بذلك عن معوض، في حين ان رئيس التيار الوطني الحر لا يريد فرنجية ولا قائد الجيش ولا مرشح توافقي ولا مرشح من تياره بل ما يزال يعمل على تحقيق حلم بعيد المنال يقضي بوصوله الى قصر بعبدا مقدما بذلك أسوأ نموذج عن الانانية السياسية المفرطة.
يوم الاحد الفائت رفع الراعي في عظته عصا التأنيب في وجه النواب بسبب عدم اجتماعهم لانتخاب رئيس للجمهورية واجتماعهم من اجل تأجيل استحقاق دستوري يتمثل بالانتخابات البلدية، علما ان القاصي والداني يعلم ان التيار الوطني الحر لا يريد هذه الانتخابات خوفا من نتائج صادمة وانه تراجع عن مواقفه السابقة وسيذهب الى تأمين نصاب الجلسة في ظل غياب رئيس الجمهورية تحت شعار تشريع الضرورة، في حين لجأت القوات اللبنانية الى سلاح المقاطعة وهو نموذج من نماذج الهروب والتخلي عن مسؤولية المواجهة والتبرؤ من تأجيل انتخابات لا تريدها أيضا شأنها في ذلك شأن سائر التيارات السياسية الاخرى.
واللافت في هذا الاطار، هي الاتهامات التي تسوقها التيارات اللاهثة خلف التأجيل بحق الحكومة ومحاولة تحميلها المسؤولية، علما أنها وضعت على جدول أعمالها تمويل الانتخابات، وهي ستقر هذا البند في جلستها بعد ظهر اليوم وستسير بالعملية الانتخابية في حال لم يصر الى تأجيل الانتخابات في مجلس النواب، وهذا ما لمسه البطريرك الراعي الذي برأ الحكومة ووزارة الداخلية في عظة الاحد، ليفضح بذلك المتسترين خلف الاتهامات والبكاء على الانتخابات.
Related Posts