خاص ـ سفير الشمال
تضاف العادات والتقاليد الكثيرة التي تترافق مع شهر رمضان المبارك الى روحانية الصوم وسائر العبادات، لتكمل نفحات الشهر الكريم بأجواء إيمانية عامرة تدخل الطمأنينة والسكينة والفرح الى قلوب الصائمين.
من هذه العادات التي ما تزال مدن وبلدات الشمال من طرابلس الى عكار فالمنية والضنية وصولا الى بعض مناطق بيروت وصيدا والبقاع، هي طواف فرق “الوداع“ إبتداء من العشر الأخير من رمضان على الأحياء والمحلات التجارية والمنازل لتبشر بقرب حلول عيد الفطر السعيد.
“الوداع“ هو جزء لا يتجزأ من النوبات الصوفية تستخدم فرقه معدات للقيام بهذه المهمة من طبول وصنوج وفوانيس، وسابقا كان يحرص أهل العلم والفقه من المشايخ والعلماء المنتسبين الى الطرق الصوفية على قيادة هذه الفرق بأنفسهم وكانوا يتمتعون بأصوات عذبة جميلة ما يساعدهم على إنشاد المدائح النبوية خلال التجول في أرجاء المدن حيث يلحق بهم الأطفال والفتيان وتقف العائلات على الشرفات للاستمتاع بما يقدمونه وسط أجواء روحانية.
لا شك في أن الوداع قد تغير اليوم شكلا ومضمونا، فلم يعد موضع إهتمام المشايخ، ولم يعد هناك من يرعاه، بل تحول الى مجموعات من الشبان والفتيان تفتقر الى التنظيم والى المواصفات المطلوبة، ما جعل الوداع مجرد عادة رمضانية يتناوب عليها كل من يتوفر له المعدات من طبول وصنوج، حيث باتت بعض الأحياء تشهد جولات للوداع منذ الأيام الأولى لرمضان وتزور المنازل أكثر من مجموعة بهدف جمع الأموال، ما يؤدي في بعض الأحيان الى خلافات في ما بينها على أفضلية “التوديع“ في مناطق معينة، الأمر الذي يتطلب تدخلا حاسما من مديرية الأوقاف لاعادة تنظيم الوداع لتعمل مجموعاته تحت إشرافها.
أول جولة للوداع كانت في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وذلك عندما أمر بجمع ما يسمى النوبات الصوفية التي إتخذها أصحاب الطرق نوعا من الشعار لأنها أدخلت البهجة الى قلب الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر الى المدينة وإستقبله أهلها بقرع الطبول وبأنشودة “طلع البدر علينا”.
أقر صلاح الدين الايوبي العمل بهذه النوبات فكانت تسير في مواكب الاعياد والمناسبات الدينية والموالد إضافة الى استخدامها في جمع الناس الى اماكن الذكر والوعظ.
انبثق عن هذه النوبات ما يسمى “الوداع“ الذي تسلمه مشايخ مختصون ينتمون الى بعض العائلات الذين تم تنظيمها في عهد السلطان عبدالحميد الثاني الذي منحها فرمانات عثمانية تتضمن أذونات شرعية بممارسة هذه المهمة طيلة شهر رمضان، وقد كان أفراد من هذه العائلات يقتسمون أحياء المدينة فيما بينهم ويقومون بتسحير الناس بشكل يومي، ويجمعون الطبول في العشر الاخير من رمضان ويطوفون على الاحياء والمنازل مبشرين بقدوم عيد الفطر السعيد،وينشدون “شهر الصيام لقد عزم على الرحيل ولم يبق منه سوى القليل” حيث كان الاهالي يعملون على تكريمهم واعطائهم ما تيسر من المال”.
Related Posts