تواصل ظاهرة التغير المناخي بما تنطوي عليه من احتباس حراري وجفاف وشحة أمطار، تهديد التوازن البيئي في مختلف قارات العالم ومناطقه وبما فيها أوروبا. وخلال الأعوام القليلة الماضية، تم تسجيل درجات حرارة قياسية في مختلف البلدان الأوروبية مع تراجع كبير في هطول الأمطار، وهو ما ينعكس انخفاضا حادا في مناسيب أنهار أوروبا وبحيراتها.
وتعاني في هذا السياق خصوصا بحيرة مونتبل الفرنسية، وبحيرة غاردا الإيطالية، من جفاف جزئي غير مسبوق بسبب تراجع معدلات تساقط الأمطار، حيث تظهر الصور ومقاطع الفيديو الحديثة التي تبثها الوكالات العالمية لهاتين البحيرتين، انخفاضا كبيرا في مناسيب المياه فيهما لدرجة ظهور قاع البحيرتين.
وينذر انخفاض هطول الأمطار في العديد من الدول الأوروبية هذا العام، بموجات جفاف أعتى خلال الصيف القادم، بعد المعاناة الكبيرة العام الماضي، مع ارتفاع الحرارة وحرائق الغابات والقيود على المياه نتيجة الجفاف الذي ضرب هذه الدول.
وبهذا الخصوص، قال الخبير البيئي وعضو الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أيمن قدوري، في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”: “بعد صيف 2022 الذي صنف الأقسى بالقارة الأوروبية منذ 500 عام، وبحسب المؤشرات الحالية لشتاء 2022 الصادرة من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن القارة على موعد مع صيف سيكسر الأرقام القياسية من حيث ارتفاع درجات الحرارة مع تفاقم الشحة المائية خصوصا بوسط وغرب وجنوب القارة”.
وتابع: “شتاء 2022 الأكثر سخونة على مر تاريخ سجلات الأرصاد الجوية بأوروبا، ومن شواهده قلة تساقط الثلوج وتغير أنماط هطول الأمطار نتيجة لارتفاع معدلات درجة الحرارة، بنسب متفاوتة بين دول القارة وتحديدا في جبال الألب، حيث ألحق عام 2022 خسائر فادحة بالأنهار الجليدية في منطقة الألب، مع وجود مؤشرات أولية لحدوث ذوبان حطم الرقم القياسي حيث شهدت جبال الألب ثلوجا أقل بنسبة 63 بالمئة من المعتاد وفق تقرير المركز الدولي للرصد البيئي الإيطالي CIMA”.
وأضاف: “انخفضت إثر ذلك مستويات تجهيزها للأنهار الدولية وعلى رأسها نهر الراين المغذي لخمس دول في القارة، مما ينذر بتكرار سيناريو جفاف الراين بشكل أخطر من صيف العام السابق، ما سيؤثر سلبا على القطاعات الاقتصادية، الزراعية والتجارية فضلا عن تأثير انخفاض مناسيبه على تجهيز الطاقة الكهربائية في كل من ألمانيا وفرنسا تحديدا”.
أما عن صيف 2023 فأشار الى أنه “سيكون أقسى من سابقه، وستتفاقم جراءه أزمة الاحترار العالمي، وهذا ما رسم ملامحه الأولى تقرير الأمم المتحدة بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، والصادر عام 2021”.
واعتبر ان “العالم يقترب أكثر من حاجز 1.5 درجة مئوية الذي وضعته اتفاقية باريس للمناخ 2015، كمعدل حرج لدرجات الحرارة، ودعت الاتفاقية لخفض انبعاثات غازات الاحترار العالمي منعا للوصول لهذا المعدل وفق برتوكول خاص بحلول عام 2025، لكن ما حدث هو العكس، فمعدل درجة الحرارة خلال صيف 2023 متوقع أن يتجاوز 1.2 درجة مئوية أعلى من المتوسط لعصور ما قبل النهضة الصناعية، ولهذا فما يحدث من تقلبات مناخية متطرفة هو نتيجة طبيعية لضرب بنود اتفاقية باريس 2015 عرض الحائط، وعدم الالتزام بضوابطها لمنع حدوث ما حذرت منه”.
وقال أيضاً: “بداية العام الدافئة والجافة بشكل استثنائي تؤثر على وسط وجنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا وشمال إيطاليا، بدرجة أكبر من باقي أنحاء القارة بسبب اعتماد هذه المناطق على عاملين رئيسيين لتزويد الأنهار والمسطحات بالمياه، وهما هطول الأمطار وتساقط الثلوج”.
وتابع: “لفرنسا الحصة الأكبر من الأضرار المناخية القادمة كونها سجلت شتاءا هو الأكثر سخونة وجفافا منذ نصف قرن أي منذ بدأ التسجيلات عام 1959، وظهرت ملامح قساوة الصيف القادم بجفاف بحيرة مونتبل جنوب غرب البلاد حيث جفت بنسبة تجاوزت 80 بالمئة هذا الشهر والذي يعد موسم حصاد المياه وفق التقويم المائي، نتيجة انخفاض التجهيز المائي بسبب قلة الهطول المطري وانقطاع تام لتساقط الثلوج على جبال البرانس المطلة على البحيرة”.
واردف: “إيطاليا التي أعلنت حالة الطوارئ صيف العام الماضي بسبب الجفاف، هي أيضا ضمن دائرة الخطر البيئي المناخي، حيث أن نهر بو وهو أطول أنهار البلاد يحتوي على مياه أقل بنسبة 61 بالمئة من المعتاد في هذا الوقت من السنة، والقنوات المائية بمدينة البندقية بأدنى مستوياتها وبعضها جف تماما”.
Related Posts