معركةُ الاستحقاقِ الرئاسيِ في لبنانَ تبقى معركةً مركزيةً محتدمةً دونَ توقفٍ تسيرُ في أروقةٍ ضَيِّقةٍ في النوادي السياسيةِ منْ دونِ استثناء، لتَمْثُل أمامَ معركةٍ انتخابيةٍ مميزةٍ ذاتِ طابعٍ رئاسي ديمقراطي تحتَ قبةِ البرلمانِ فتسيرُ َضِمْنَ الأُطُرِ القانونيةِ وروحِ الدُسْتورِ اللبنانيِ.
سابقاً 11 جلسةٍ انتخابيةٍ مرَّتْ منْ دونِ نتيجةٍ، نَعَتَها النوابُ أنفُسَهُمْ بمسرحية مخزية وإنْ تعدَّدتْ فصولَها، وقدْ وُسِمَتْ بالمهزلةِ ودُفِنَتْ معَ سجلِّ مجلسها بوصمةِ عارٍ لممثليها الْـ 128 نائباً.
أشهرٌ عِدَّةٌ مُتعاقبةٌ لمْ تُنْتجْ انتخابَ رئيسٍ للجمهوريةِ. وظلَّتْ معركةٌ قائمةٌ تَدورُ بينَ مرشحٍ رئيسي يُمثِّلُ فريقاً ضمَّ عدداً منْ التياراتِ السياسيةِ تحتَ مُسَمَّى المُعارضةِ، أوْ ما تَبَقَّى مِنْ فريقِ 14 آذار، يصِلُ عددُ مؤيديهِ إلى حواليْ 46 نائباً، وهو المرشح النائب ميشالْ مُعوضْ، ضدَّ جبهةٍ مُقابِلَةٍ تحْمِلُ لِوَاءَ “الورقةِ البيضاءِ” مُمَثَّلةً بفريقِ المُمانعةِ وشاملةً الثُنائيِ الشِيِعيِ المُترأِّس لِهذا الفريقِ، مع عددٍ منْ الكتلِ النيابيةِ المتفرِّقةِ والمؤيِّدةِ لهُما وقدْ يصِلُ عددُها إلى سقفِ الْـ 60 نائباً.
اِحْتدمت المعركةُ الرئاسيةُ مِنْ جديدٍ وفجأةً أطلقَ دولةُ الرئيسْ برّي سهامَهُ الناريةَ ذاتَ الصلةِ منْ العيارِ الثقيلِ فأصابتْ أهدافاً متعددةً بقصْدٍ أوْ دونَهُ في آنٍ واحدٍ. هلَّلَ لها كثيرونَ وامتَعَضَ مِنها آخرونَ. أهمُّ هذهِ النقاطِ وأبرزُها:
• كُشِفَ الغِطاءُ عنْ مُسَمَّى “الورقةِ البيضاءِ” الوزيرَ السابق سليمانْ فرْنجيَّةْ بأنَّهُ المُرشَّح الوحيدِ لدى الثنائيِ الشيعِيِ.
• حُرِمَ الوزير السابق سليمانْ فرنجية مِن إعلان ترشُّحِهِ لموقعِ الرئاسةِ حيثُ خَطَفَ منهُ المُبادرةَ الفعليةَ رئيسَيّْ الثنائيِ الشيعيِ
• أزْعَجَ هذا الأمر بعضَ سياسِيِّي الداخلِ والخارجِ، كما حرَّكَ الملفَّ الرئاسي داخلياً، إقْليميَّاً ودولياً. وهذا ما أرادهُ الرئيسْ برِّيْ بعدَ الجمودِ القائمِ على صعيدِ الاستحقاقِ الرئاسيِ.
• أدَّى إعلانُ الرئيسْ بِرِّي عنْ موقفهِ السياسيِ المثيرِ للجدلِ، في الوسطِ السياسيِ اللبنانيِ، والذي أخذَ بعداً بينَ الأطرافِ السياسيةِ المعنيةِ بالأمرِ، إلى خدشٍ ولوْ قليل ذو طابعِ طائفيِ وتمَّتْ معالجتُهُ وإنْ جزئياً بتوضيحاتٍ لاحقةٍ منْ كُلِّ فريِقْ.
• بعدَ الإعلانِ المثيرِ للجدلِ وحتَّى تاريخهِ، لمْ يُعلنْ بعد الوزيرُ السابق فرنجية عنْ موقفهِ السياسيِ المُحددِ بشأنِ كرسيِ الرئاسةِ. بَدَى الوَزيرُ فرنجية وكأنَّهُ ما زالَ يُحَلِّلُ ما برزَ منْ تطوراتٍ جديدةٍ إثرَ إعلانِ الرئيسْ بريْ ذلكَ.
• ترشيحُ الوَزيرْ فْرْنْجية منْ قبلِ فريقِ الممانعةِ أحدثَ إجماعاً شيعيِّاَ مؤيِّداً لهُ في حينِ قابَلَهُ إجماعٌ مسيحيٌ رافِضاً لهُ. مِما أخلَّ بالتوازنِ الطائفيِ والتمثيلِ المسيحيِ على مستوى الوطنِ، ومَنَعَ الوَزيرَ فرنجية مِنْ أنْ يكونَ رئيساً جامعاً وعابراً للطوائفِ.
• ما وردَ على لسانِ الرئيسْ بريْ بوجوب إجراء تعديلٍ دستوريٍ لترشيح قائدِ الجيشِ جوزيفْ عَوْن بدا خجولاً حيث أنَّ من يقرأ بينَ السطورِ يجدُ أنَّ موقفَ الرئيسْ بِرّي ليسَ حاسِماً.
• فريقُ الممانعةِ بأكملهِ بانتظارِ ما سيْعلِنُهُ الوَزير فرنجية، إذ لمْ يحسمْ هذا الأخير بَعْدْ ترشيحَه. فهلْ هناكَ منْ مفاجآت أَوْ مستجدات أمْ تأكيدِ المؤكدِ؟
ما تقدَّمَ يشيرُ بوضوحٍ إلى أننا أمامَ حالةِ استعصاءِ سياسيٍ يصعُبُ معها انتخابُ رئيسٍ للجمهوريةِ في المدى المنظور. يبدو أنَّ هذا الاستحقاق سيطولُ والخِشية أنْ تستمرَّ حالةُ الانحدارِ القاسيةُ في البلدِ معْ كلِ تداعياتِها، التي تفتحُ الأبوابَ في لبنانَ على أسوأ الاحتمالاتِ وعلى رأسها خطرَ تحَلُّلِ المؤسساتِ والانفِلاتِ الأمنيِ. ويَبْقَى القول أنَّ التقارب السعودي الإيراني يطْرحُ أكثر من علامة استفهام حول انعكاساته على الوضع اللبناني وسْطَ مُعْطيات أنَّهُ لَنْ يكون لَهُ نتائجَ مباشرة.
حَمَى اللهَ لُبنان واللبنانيين
الكاتب: المُهندسْ شَفيقْ مَلَكْ
Related Posts