تجاوز لبنان عموما وعكار ومنطقة الشمال خصوصا قطوعا امنيا خطيرا على خلفية خطف وقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي الذي عُثر على جثته مدفونة على عمق ثلاثة امتار ونصف المتر في منطقة قريبة من سد نهر البارد بعدما تبين ان عددا من اقاربه من رئيس بلدية القرقف يحيى الرفاعي وولده وإبن شقيقه وشركاء لهم من العائلة الواحدة تآمروا عليه وكمنوا له وخطفوه وقاموا بتصفيته جسديا برصاصات غادرة ومن ثم عمدوا الى اخفاء جثته..
لا شك في أن الجريمة بشعة لا بل شنيعة، وهي تدل الى واقع التفلت الامني الحاصل في البلاد وحجم الاجرام المتنامي واستسهال القتل بدم بارد، في وقت تعاني فيه القوى الامنية والاجهزة العسكرية الامرّين جراء الازمة الاقتصادية، وينشغل فيه القضاء بخلافاته وبإصرار البعض على استخدامه لتصفية حسابات سياسية ما يضعف هيبة الدولة التي تقوم على مدماكين اساسيين هما الأمن والقضاء.
الابشع من الجريمة النكراء، هو محاولات البعض استثمارها في تحريض طائفي ومذهبي وفي استهداف مؤسسات أمنية وعسكرية بهدف الامعان في إضعافها، وفي التشجيع على التسلح واعتماد الامن الذاتي وإعادة عقارب الساعة الى الوراء باللعب على الغرائز والرقص على الدم، واطلاق المخيلات المريضة لسيناريوهات جهنمية، وذلك لإحداث فتنة كبرى، إما تنفيذا لاجندات خارجية لضرب الاستقرار المتبقي للبنانيين بعدما فقدوا كل مقومات العيش الكريم، أو لعودة بعض المتربصين الى الساحة والذين لا يجدون انفسهم الا في زمن التوترات والفوضى الامنية التي يسعون في كل مناسبة اليها تحقيقا لنفوذ او مكاسب شخصية.
يمكن القول، إن الجهود الامنية التي بذلت لا سيما من قبل فرع المعلومات الذي تعامل مع الجريمة بكثير من الحكمة والحنكة والحرفية وصولا الى كشف كامل تفاصيلها، نجحت في وأد الفتنة في مهدها وفي تجنيب عكار وربما كل لبنان حمام دم، وكذلك فعلت مديرية مخابرات في الجيش والتي وضعت يدها على بلدة القرقف تحسبا من ردات فعل لا تحمد عقباها.
عوامل كثيرة ساهمت في ابعاد كأس الفتنة المرّة عن اللبنانيين انطلاقا من عكار، ابرزها:
أولا: السرعة في إحتواء الموقف من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي سارع الى التنسيق مع مفتي الجمهورية ومفتي عكار والاجهزة الامنية لكشف ملابسات الجريمة لمنع استغلالها سياسيا وطائفيا ومواجهة اية تداعيات فتنوية يمكن ان تنتج من عملية الخطف وتاليا من قتل الشيخ احمد الرفاعي.
ثانيا: الحكمة المطلقة التي تعاطى بها مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا سواء مع الاجهزة الامنية او مع أهالي القرقف وابناء عكار، ومع الاجهزة الامنية والتي أطفأ من خلالها نار الفتنة التي سعى البعض الى استحضارها.
ثالثا: الاسراع في الطلب من عائلات المتورطين إخلاء منازلهم في بلدة القرقف والتي تسلمها الجيش وذلك منعا لأية ردات فعل بالتزامن مع كشف مكان جثة الشيخ او خلال تشييعه سواء بالثأر من افراد هذه العائلات بالايذاء الجسدي أو بإحراق بعض المنازل.
رابعا: الاجراءات الفورية التي اتخذها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي لجهة كشف ملابسات عملية القتل وتوقيف الفاعلين الذين اعترفوا بفعلتهم، ما أخرج الجريمة من الطابع السياسي الذي حاول البعض اخذها اليه وحصرها في طابعها العائلي والشخصي.
خامسا: الوعي الذي تجلى بوضوح لدى ابناء عكار عموما وابناء القرقف خصوصا باستماعهم الى توجيهات المفتي زكريا بضبط النفس وإفساح المجال للعدالة بأن تأخذ مجراها..
سادسا: فشل دعاة الفتنة في تحقيق مآربهم. بعد كشف خلفيات وتفاصيل عمليتيّ الخطف والقتل بسرعة قياسية، وعدم تجاوب كثير من الشبان مع دعواتهم للتسلح والنزول الى الشوارع، وتأكيد بعضهم عبر مواقع التواصل وفي ردود مباشرة على المحرضين أنهم لم يعودوا اهلا للثقة، وبالتالي فإن “المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”، وان “من جرب المجرب كان عقله مخرباً”!..
Related Posts