أيها اللبنانيون لا خلاص لكم!… عماد غنوم

يبدو أن لبنان الوطن الذي نعرفه موجود جغرافيًا على فالقين، فالق زلزالي لا ندري متى يهتز فيدمر البنيان والعمران، كما فعل غير مرة عبر التاريخ، وفالق سياسي ما برح يضرب في هذا الوطن الصغير.
لبنان يعيش أزمات متتالية منذ نشأته، وللأسف فإنه لا يعرف الهدوء إلا حين لا يملك قراره الذي يكون مرهونًا بدولة خارجية، تُفوض لسبب أو لآخر بالقرار اللبناني، وإن كان هناك قلة تبقى معترضة فإنها تُنبذ وتُعزل من بقية الأفرقاء الذين يقبلون الخضوع لسلطة الأمر الواقع.
حدث ذلك أيام الانتداب الفرنسي، ثم مع مصر عبد الناصر، وأخيرًا زمن الوصاية السورية، إلا أن ما حدث منذ اللحظة الفارقة في تاريخ لبنان الحديث باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أخرج لبنان من حكم الوصاية السورية وترك أطفال السياسة اللبنانيين من دون وصاية تحكمهم وتفصل في خلافاتهم التي لا تنتهي.
وإن كان بعض الفرقاء قد حاول استجلاب وصايات متعددة (سعودية – إيرانية – قطرية –  أميركية أو حتى فرنسية) إلا أن الأمر لم يستتب بعد، وما زالت الأزمات والخلافات بين اللبنانيين الذين اتفقوا على أن يختلفوا على كل شيء هي سيدة الموقف.
يتميز لبنان بتنوعه الثقافي والديني والإثني، وبدلًا من أن يحول اللبنانيون هذا التنوع إلى غنى حضاري، وتنافس على خدمة الوطن وجلب المنافع له من كل حدب وصوب، فقد حولوه إلى ما يشبه حلبة للصراع والتسابق غير الشريف على المغانم وموارد البلد وخيراته، في ظل شعارات طنانة رنانة من حقوق الطائفة واستعادة الصلاحيات، وطائفتي مظلومة أكثر من طائفتك، في أجواء يسودها التخوين وعدم الثقة والخوف المتبادل والهواجس التي لا تنتهي.
النتيجة الطبيعية لهذه الصراعات هي الفشل السياسي والاقتصادي واستنزاف مقدرات الدولة، وإفقار الشعب، وتراجع التنمية وتدمير مقومات الوطن.
حاولت الأحزاب اللبنانية خلال الفترة التي تلت استشهاد الرئيس الحريري إدارة البلد عبر حكومات توافقية سميت حكومات الوحدة الوطنية، وشاركت هذه الأحزاب والتي تمثل الطوائف اللبنانية المتناحرة في عدد من الاتفاقيات المحدودة والتي لم تصل إلى مستوى التسويات الشاملة، ثم أدى الصراع بين هذه الأحزاب والخلاف على الحصص والأحجام والمواقع إلى سقوط كل الاتفاقيات السابقة، وبالتالي الدخول في نفق مظلم لا خلاص منه بدأ منذ نهاية عام 2019 وتحديدًا مع بداية التحركات الشعبية وما زال مستمرًا إلى يومنا هذا.
يحلو لكل الفرقاء اللبنانيين ومن ورائهم طوائفهم إلقاء اللوم على الآخرين في الأزمات التي يعاني منها لبنان، كما يحلو للشعب اللبناني إلقاء اللوم على الزعماء السياسيين كأنه لم ينتخبهم، أو كأنهم لا يمثلون تطلعاته الطائفية والمذهبية! مع العلم أن الأحزاب الطائفية في البلد هي على صورة المواطنين اللبنانيين للأسف، وما خطاباتها الطائفية سوى رجع صدى للنفَس الطائفي والمذهبي في الشارع اللبناني.
أين يكمن الحل في كل ذلك؟ وأين خلاص اللبنانيين؟..
في الحقيقة الإجابة بسيطة وليست معقدة، وهي في متناول الجميع من اللبنانيين، وهي أن يتعقلوا وينبذوا خلافاتهم الطائفية والمذهبية، والذهاب نحو الاتفاق والعمل على تحقيق المصلحة الوطنية العليا، والخروج من الزواريب الطائفية الضيقة، والتعلم من تجارب الآخرين، فها هي أوروبا بعد حربين عالميتين مدمرتين قررت الاتفاق على بناء أوروبا الجديدة، ونبذ الخلافات السابقة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
وتحضرني تجربة العراق الذي وُضع الآن على سكة التعافي وانتخَب رئيسًا للجمهورية، وسمى رئيسًا للحكومة التي تشكلت وتعمل بصمت حاليًا بعدما عانى من سنوات عجاف بسبب الخلافات.
لذلك أيها اللبنانيون وأيتها الأحزاب اللبنانية، لم يعد لدينا ترف الاختلاف على الحصص والأحجام، ولا يبدو أن أحدًا في الخارج يريد فرض وصايته بالقوة علينا، ليقرر عنا ما يناسب مصالحنا، فهيا إلى كلمة سواء وإلى الاتفاق وانتخاب رئيس للجمهورية فورًا، يكون رئيسًا لكل اللبنانيين، وتشكيل حكومة بأسرع وقت تكون حكومة اللبنانيين جميعًا.
وإلا تفعلوا ذلك فلا خلاص لكم.
الكاتب: الدكتور عماد بسام غنوم (أستاذ جامعي وباحث أكاديمي)


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal