منذ أنْ بدأت الأجهزة الأمنية قبل 4 أيّام حملتها على من أسمتهم “الصيارفة غير الشّرعيين”، المتهمين بالتلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية والتسبّب في انهيارها، وتصاعدت بقوة هذه الحملة في السّاعات الماضية، إنهمرت مثل زخّات المطر أخبار توقيف هؤلاء الصيارفة واحداً تلو الآخر في مختلف المناطق اللبنانية بلا استثناء، أو تسليم البعض منهم أنفسهم إلى الأجهزة المعنية، أو ملاحقتهم بعدما تمكنوا من التواري عن الأنظار، في مقابل إختفاء صيارفة الرصيف والشّوارع في مختلف المناطق، وبدوا كأنّهم “فصّ ملح وداب”.
لكن الحملة على هؤلاء الصيارفة حملت أكثر من مفارقة لا يمكن إلّا التوقف عندها، من أبرزها المفارقات التالية:
أولاً: برغم توقيف عددٍ كبيرٍ من هؤلاء الصيارفة واختفاء بعضهم وتوقيف مجموعات “واتس أب” وتطبيقات تابعة لهم تعمل على نشر سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السّوق السّوداء بما يتناسب مع مصالحهم، ومصالح من يقف خلفهم، فإنّ سعر صرف الدولار لم يشهد أي انخفاض “محرز”، لا بل بقي محافظاً على تصاعده، وإذا انخفض قليلاً، فإنّ الأمر لا يعدو مشهداً مألوفاً من عمليات المضاربات المالية التي خبرها اللبنانيون جيداً.
ثانياً: أظهرت أسماء الصيارفة الموقوفين والملاحقين أنّهم من صغار الصيارفة أو متوسطي الحال، بينما غابت تماماً أسماء كبار الصيارفة و”حيتان” المال المتحالفين معهم، وهي أسماء ضجّت بها وسائل الاعلام على اختلافها مؤخّراً، من أصحاب ومدراء مصارف، وسياسيين ورجال مال وأعمال وضبّاط أمنيين، بشكل جعل البعض يرى أنّ الحملة على الصيارفة التي جعلت من بعض “الصغار” منهم كبش محرقة، لها أهداف أخرى غير تلك المعلنة ينتظر أن تظهر بعد حين، برغم التعمية عليها.
ثالثاً: لم تكسب الحملة على الصيارفة مصداقية واسعة في صفوف الرأي العام، وطرحت تساؤلات وعلامات إستفهام كثيرة حولها، مثل: لماذا تأخّرت الحملة حتى الآن برغم مرور أكثر من 3 سنوات على الإنهيار المالي، ولماذا تنفذ الآن، وهل الصيارفة المُلاحقين هم السبب الرئيسي وراء انهيار العملة الوطنية، وهل ستستمر الحملة حتى النهاية لتسقط رؤوساً كبيرة، أم أنّها ستتوقف عندما تصل إلى الخط الأحمر المرسوم لها ولن تتجاوزه؟
رابعاً: بدا من أسماء الصيارفة الموقوفين أو الملاحقين أنّهم يحملون ألقاباً وأوصافاً لا تمتّ إلى العمل الصيرفي والمالي بصلة. مثل “الحوت” و”النمر” و”الدبّور” وغيرهم، بشكل ظهر وكأنّ اللبنانيين يعيشون في غابة وليس في بلد ودولة يحكمها القانون، كما أنّ البعض منهم تصرّف ونشر صوراً ومقاطع فيديو له على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي وكأنّه رجل ميليشيا وليس رجل مال وأعمال بالشّكل المعهود.
Related Posts