كتب المحرر السياسي
عندما كان يقال ان حزب الكتائب اللبنانية هو حزب العائلة الواحدة، آلامرة الناهية، كان ينبري مفكرو الحزب وقياديوه لدحض هذه المقولة. وكان الحق إلى جانبهم في بعض الأحيان لأن الكتائب كانت تضم في صفوفها قامات ادبية، حقوقية، فكرية، ثقافية ومسرحا لتفاعل الأفكار، وبرز في هذا الحزب مجموعة من الشخصيات التي كان لها حضورها الوازن في المشهد الوطني العام، وعلى مختلف الصعد.
من جوزف شادر المحامي الكبير والخبير المالي والاقتصادي الدولي، إلى القانونيين الكبيرين انطوان جزار وانطوان معربس، فارباب الخطابة والادب بدءا من لويس ابوشرف، فالياس ربابي، وادمون رزق وصلاح مطر، ناهيك عن السياسيين الخارقي الذكاء جورج سعاده، وكريم بقرادوني، ويضيق بنا المجال اذا عدّدنا اسماء المفكرين والمثقفين الكبار والصحافيين اللامعين الذين اغتذت الكتائب من وجودهم فيها، وهم كانوا دعامة بيار الجميل المؤسس في مسيرته الوطنية والسياسية، وكان الاخير يقر بفضل هؤلاء ويفخر بهم، على الرغم من تعلقه الشديد بالانضباط الحزبي وصرامته في تطبيق احكام النظام الداخلي على المخالفين.
هذه الصورة الوردية عن حزب الله، العائلة، الوطن، قد تهاوت ولم يبق منها إلا اللافتة، وهكذا شاء سامي الجميل نقل حزب كان على مساحة الوطن إلى المتن الشمالي وتوابعه، مكتفيا بهذا القدر، غير مهتم ومكترث بالارث الذي آل اليه من دون أن يقوم باي جهد.
يصارع سامي الجميل الكل، فهو ضد التيار الوطني الحر، وضد القوات اللبنانية، وضد المردة، وضد الكتائبيين القدامى والمخضرمين الذين لا يرفعون الاصبع، حتى أن الرئيس امين الجميل ليس ممتنا في قرارة نفسه من سياسة نجله الأصغر، ولكنه بطبيعة الحال لن يعاكسه، بعد الأحزان التي فتكت به على اثر استشهاد نجله بيار الذي كان واعدا وقادرا على لم شمل الكتائبيين الذين تفرقوا اختياريا او اكراهيا عن البيت المركزي في الصيفي، تاركينه لمجموعة ترفع على صدرها زر الكتائب، لكنها بعيدة عن روحية الحزب وسيرته النضالية.
في قراءة أولية لمؤتمر الكتائب الاخير الذي عقد في فندق ريجنسي- ادما، يمكن استخلاص آلاتي:
أولا: هجرة كثيفة للكادرات الكتائبية المقتدرة، وانسحابها لمصلحة مجموعات لا خبرة لها في العمل الحزبي، وهي أداة في يد رئيس الحزب.
ثانيا: غياب التنوع والصوت الاخر لمصلحة أحادية حادة وصارمة، بحيث لن يعود هناك مجال لعصف الأفكار والنقاش المفتوح، والممارسة الديموقراطية ولو تحت سقف الانظمة والقوانين الحزب.
ثالثا: طغيان الولاء الشخصي لرئيس الحزب من قبل المشاركين في المؤتمر والمرشحين إلى المكتب السياسي.
رابعا: الابقاء على بعض الأشخاص من المرحلة السابقة لإيهام الرأي العام اللبناني والكتائبي الباقي في الحزب، أو المنسحب والمنكفيء، والحرد، بأنه لم يستأصل الرعيل المخضرم، وأن التنوع في الحزب لا يزال موجودا.
خامسا: يبدو أن النائب سامي الجميل استطاع تطويع ابن عمه نديم، الذي رفع الصوت عاليا في المؤتمر السابق للكتائب ضد الإدارة السياسية والحزبية، ويقول مقربون من سامي أن “نديم” أصبح مدجنا.
سادسا: لا تزال هجرة الكتائبيين متواصلة إلى القوات اللبنانية التي تقضم بثبات وهدوء ما تبقى من قواعد هذا الحزب العريق. ففي الانتخابات النيابية الأخيرة على سبيل المثال، فإن النتائج في المتن الشمالي، معقل آل الجميل، أظهرت تقدم القوات اللبنانية ب 8 آلاف صوت، والكتائب بما يربو بقليل على تسعمائة صوتا، قياسا بنتائج العام 2018. ومع ذلك لم يتعظ سامي الجميل وهو يصر على أن كل ما يقوم به هو صحيح وأكثر. إن مؤتمر الكتائب هو عادي ورتيب، ولن يشكل نقطة تحول نوعية، وأن أحدا من الذين سيدخلون “جنة” المكتب السياسي في عهد مفوض الحزب السامي، لن يلفت الاهتمام، لأن الحزب الذي خرج من رحم الواقع، سيدخل في ذمة التاريخ.
Related Posts