لبنان الى اين سياسيا واقتصاديا على مشارف العام 2023؟.. النائب السابق الدكتور علي درويش:الكباش السياسي مُستمرّ (الجزء السابع عشر)

الدكتور طلال حمود:

كنا قد بدأنا هذه السلسلة من الرؤى والمطالعات في محاولة لاستشراف الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للعام 2023 في لبنان، خاصة أن الوضع اللبناني لا يزال يتقدّم يوميًّا من مأساة إلى مأساة، ومن جحيم إلى جحيم أكثر توقّدًا وخطرًا، ومن تعقيد إلى تعقيد.

فنحن منذ ما قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون في حالة دوران والتفاف من حلقة مفرغة إلى حلقة مفرغة أخرى مع استمرار المراوحة السياسية، خاصة مع فشل كل المحاولات الآيلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي حالة اشتباك عقيم حول دستورية عقد جلسات لمجلس الوزراء لحكومة تصريف أعمال، وفي حالة اشتباك كهربائي تكاد شرارته تؤدّي إلى عواقب وخيمة، خاصة في ظل تهديدها بشكلٍ كبير للتفاهم الذي كان قائمًا بين حارة حريك والرابية. وعلى الصعيد الاقتصادي لا يزال هناك أيضًا حالة تخبّط كبير في ظل تعثّر إقرار القوانين الأساسية لأيّ خطة إنقاذ اقتصادي حقيقي، وفي مقدمتها قانون الكبيتال كونترول، مرورًا بعدم البَدء الجِدي بتنفيذ خطة التعافي الاقتصادية جذريًّا، وإعادة التوازن المالي، وإصلاح القطاع المصرفي . وقد زاد من حدّة الانقسامات أيضًا الموقف من الوفد القضائي الأوروبي الذي باشر مهامّه في لبنان منذ أيام في ملفات الفساد المالي التي علمنا أنها سوف تسعى للتحقيق في قضايا تطال حاكم مصرف لبنان وبعض المقرّبين منه، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الماليين ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة في بعض المصارف وبعض رجال الأعمال الذين قد يكونون متورطين في هذه القضايا. نستكمل اليوم حواراتنا، ونذهب إلى الشَّمال، ونستطلع آراء رجل مقرّب جدًّا من الرئيس نجيب ميقاتي وأحد مستشاريه، وهو النائب السابق الدكتور علي درويش. وقد كان نائبًا في كتلته عن طرابلس في الدورة السابقة، وهو شخصية أكاديمية واقتصادية وعلمية مرموقة. وقد بدأ الدكتور درويش، وهو من مواليد طرابلس في عام 1972 ، اهتمامه بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية في سن مُبكرة بعد حصوله على البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة البلمند، ثم بدأ العمل في بنك BBAC، حيث عيِّن لاحقًا في سن ال 28 سنة مديرًا لفرع الميناء في هذا البنك. واستمرّ بعدها في طريق التحصيل الأكاديمي مع حصوله على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نوتردام، ودكتوراه في إدارة الأعمال في جامعة نيو بورت في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية. وفي وقت لاحق انتقل إلى التدريس والقطاع الأكاديمي. واليوم هو محاضر ومشرف على رسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه في كل من جامعة الجنان والجامعة اللبنانية الفرنسية، وهو عضو مجلس إدارة جمعية خريجي جامعة NDU ، ورئيس لجنتها التعليمية, وهو أيضًا مُحاضر مُنتظم حول الاقتصاد وشؤون الأقليات في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا. وهو أيضًا عضو في جمعية رواد الأعمال في طرابلس. كذلك هو مستشار رئيس مجلس إدارة بنك BBAC. وفي الدورة النيابية السابقة كان عضوًا في عدة لجان نيابية، منها لجنة الاقتصاد والتجارة.

درويش:

النائب السابق علي درويش قال: إن الاشتباك سيظلّ قائمًا؛ فعلى المستوى السياسي لا تزال الأمور عالقة فيما يخصّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهناك اصطفافات باقية في مواقف الأفرقاء السياسيين، ولا سيّما التركيبة السياسية الداخلية، وسيبقى هذا الكباش حتى يتمّ الاتفاق على انتخاب رئيس. وستأخذ بعض الأمور منحى آخر حكمًا فيما يتعلّق بتطبيق اتفاق الطائف، ولا سيما مع اعتماد اللامركزية الإدارية وتشكيل مجلس الشيوخ؛ ما قد يُحدث نقلة نوعية في البلد، وإلى أن يحصل هذا الأمر ستراوح الأمور مكانها.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالتراجع سيستمرّ ما دامت الأمور السياسية لم تُحلّ، وسيبقى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، مع استمرار تراجع المستوى المعيشي وشلل جميع المرافق العامة؛ والموازنة التي أُقرّت هي فقط لدفع الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، ورغم تحسّن مُؤشّر النمو بسبب الاقتصاد النقدي إلا أن التراجع سيظل مُستمرًّا. وأضاف درويش: إن نقطة الانطلاق ستكون بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإقرار القوانين الإصلاحية وإقرار خطة تعافٍ اقتصادي شاملة، وإعادة هيكلة القطاع العام والمصارف بالتوازي.

واردف درويش ان الشقّ الاقتصادي يعود إلى ما ذُكر سابقا والذي هو عنوان المرحلة اي وجود “حالة عدم الإستقرار السياسي”، الذي يؤدّي اقتصادياً الى تراجع كبير وبالتالي من المُرجّح ان يتفاقم وان يشهد لبنان المزيد من التقهقر على هذا الصعيد، كون الأمور الإقتصادية مُرتبطة جداً بالإستقرار السياسي، الذي هو معبر إلزامي حتى يكون عندنا رؤيا واضحة للعام . وفي المُحصّلة يجب ان تجتمع مجموعة عوامل مع بعض حتى يكون عندنا انطلاقه معينة وحتى اللحظة هذا لم يحصل. ويمكن بإيجاز تلخيص ذلك بأربعه نقاط :النقطة الاولى تتمثّل في خطة نهوض اقتصادي. واعتقد ان هناك مُسودّة إقتصادية مُتوفّرة الى هذه اللحظة وهي تلحظ بالتالي العديد من الجوانب الإصلاحية، وهذا ما يعني تحديداً عدّة امور وتعديلات جوهرية على مستوى العديد من القطاعات، بما فيها القطاع المالي او حتى القطاع العام وموظفي الدولة. ثانياً، وبكل تأكيد يجب إقرار “قانون الكابيتال كونترول” من خلال إعتماد صيغة يجب ان توازي ما بين الدفع على مستوى الكاش (الفريش) للمودعين بالحدّ الأدنى، على أن يكون ذلك معبراً إلى مرحلة لاحقة تكون فيها المالية العامة في لبنان مُنتظمة، بحيث يُصبح من المُمكن اعادة جزء اكبر من الاموال بحسب وتيرة معينة، وهذا ما يُمكنه ان يوازي ايضاً ما بين كيفية تحويل العملات. ثالثاً، الإتفاق على النقاط الجوهرية مع صندوق النقد الدولي، لأن هذه الخطوة لا شك انها من احد الخطوات الأساسية التي من المُمكن ان تساعد لبنان للإستحصال على مبالغ مُعينة ووفق آلية معينة، وهذه الآلية مع صندوق النقد ستسمح بإقرار اصلاحات مهمة في عدة مجالات كما نعرف، وهي من شروط هذا الإتفاق. ورابعاً، وهذا هو الموضوع الأساسي إقرار عملية إعادة هيكلة المصارف. وهنا اعتقد ايضاً انه اصبح هناك مُسودّة لهذه الخطة لدى “القصر الحكومي”، بما يتلائم مع المرحلة القادمة وصيغة جديدة للعمل المصرفي ليس فيها آليه العمل بالصيغة السابقة التي اضرّت كثيراً بهذا القطاع، لما كان فيها من شراكه مُؤذيه ومن مخاطر عاليه نتيجة التعامل بشكلٍ “غير مدروس ومحفوف بالكثير من المخاطر” مع الدولة اللبنانية. على ان يكون هناك الى حدّ ما إعادة هيكلة وإعادة رسملة للمصارف. وإذا ما توازت هذه العناوين الأربعة مع بعضها البعض من المُمكن ان ينتج قاعدة صلبة من المُمكن ان تكون نقطة الإنطلاق الى حلول اقتصادية مُستدامة.

في النهاية عاد درويش للتذكير بأن العنوان الأساسي حالياً في لبنان هو عدم الاستقرار الذي يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الإحتمالات وعلى كل الصُعد، وهذا من شأنه ان يترك المجال لهبوب رياح سيئة اقتصادياً او إجتماعياً او معيشياً. وسنبقى في هذه الدوّامة الى حين الوصول حدّ ادنى من الإستقرار السياسي وانتظام عمل مؤسسات الدولة، ومن بعدها قد يكون هناك حلول مُستدامة، انما للأسف حتى الآن الأفق لا يزال غير مُتاحاً لحصول الإنفراجات التي ينتظرها اللبنانيين.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal