تتربّص وسائل التواصل الاجتماعي بالمصائب اينما وجدت، كأنها تنتظرها بفارغ الشوق وتتلهف عليها لتغذّي فضولها المتضخم. قد تنبشها أحيانًا بهدف زيادة نسب الاعجابات…
وسائل الاعلام الجماهيرية، لا سيما التلفزيونات، ليست أفضل حالًا لا بل في بعض المواقف قد تتعملق بالسخافة من اجل نسبة مشاهدة عالية من جمهور سلبيّ، في أكثر الاحيان، فقط يتلقّي…
ان تكون مشهورًا في هذا الزمن، اي ان تكون تحت تصرف وتحت رحمة كل هذه الوسائل، في الاخفاق قبل النجاح، في الاحزان قبل الأفراح. عالم الشهرة سيف ذو حدّين، يقضم من الخصوصية ما يشبع شهوته للاثارة.
وهذا ما حصل سابقًا مع جنازة الفنان جورج الراسي، ومن يومين مع جنازة نجل المطرب جورج وسوف: فما قام به الاعلام، بكل أشكاله، تحت عنوان الوقوف الى جانب الوسوف، لم يتعدّ كونه تجارة رخيصة ومغالاة في غير مطرحها. استغلال فاضح للمصيبة التي تلعب على وتر “الحشرية” لدى الناس.
لا يكاد يخلو موقع او صفحة من صور وفيديوهات لمشاهد انهيار العائلة، وبكاء الأب، ونحيب الأم، والرقص بالنعش على وقع أغاني الوسوف مع عناوين لاتحمل بين كلماتها اي حرف عزاء.
وأصبح كل المغردين والفايسبوكيين وغيرهم من عائلة الوسوف ومن أقرب المقربين له، ينشرون كلماتهم المواسية الى جانب صور الفنان ونجله… حتى يكاد يخيل الى متصفح هذه التطبيقات انه الوحيد الذي لا يمت لآل الوسوف بصلة!
أما التلفزيونات، في نقلها المباشر للفاجعة فحدّث ولا حرج، جنازة نالت اهتمامًا أكثر من جنازة البابا بينيديكتس السادس عشر. غزت الشاشة مقابلات مع المشاهير الذين حضروا لتقديم واجب العزاء، وصوت المذيعة يغصّ في وصف ما لا يمكن وصفه في هكذا وضع مأساوي، والكاميرات تنقل صور الوافدين فتحسب لبرهة انك في “فاشن شو” أو مهرجان. هيفا من القلائل الذين لم يستغلوا معاناة الوسوف، فاستنكرت محاولة الاعلام استصراحها، ورفضت احترامًا للعائلة.
لا حرمة للموت، ولا للحزن، ولا لانكسار قلب أب وأم واشقاء وعائلة منهارة، لا حرمة للوجع. في زمن لا حرمة فيه لشيء، كل شيء فيه مباح ومستباح، ولا رادع للتلفزيونات من الاستفادة من كل مصيبة اذا كانت قادرة على زيادة نسب المشاهدة.
ما يضعنا أمام سؤالين بديهيين: هل ما زال هناك خاص؟ ومن يحدّد العام المباح من الخاص الحميم؟
الفاصل بينهما شعرة يقطعها دومًا فضول الناس الذي يغذّيه كل ما يعرض على التلفزيونات وكل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، “فالجمهور عاوز كدا”. كأن المجتمع أصبح يعيش على “التلصص”، على “حشرية” الدخول في خصوصية الآخر، لا سيما عندما يكون هذا الآخر في حضيض الحزن.
في الموت تبتسم الميديا وتنقضّ لتنهش من المصيبة ما تبقى من حميمية، لتتاجر بالعواطف، لتستغل الصورة الموجعة بهدف عرضها على جمهور يعيش على حميم الآخر، لا يتفاعل من منطلق حب، يتفرّج فقط.
الميديا فعليًا لا يهمّها حزن الآخر مهما كان عميقًا، وفرحه لا يعنيهم، الآخر في قاموسهم الافتراضي مادة دسمة للفرجة، سرعان ما يرحلون عنه الى مادة جديدة أكثر إثارة… لا أحد مهمّ أو ذو شأن، الآخر عمله تسلية المتفرجين.
لقد ضجرنا من استغلال الاعلام للمواقف المؤلمة بطريقة بشعة، مللنا اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي كلّ الحميميات ونشرها للتفاهة والسخافة من دون حسيب، ربما لا قدرة على اقتلاع السخافة من جذورها، ما نستطيعه هو فلترة ما نتلقّى نحن.
تعبنا ربما من الاشارة الى التفاهة المستشرية، من انتقادات لا تلقى آذانًا صاغية، “لكن صابرين”.
Related Posts