ملتقى حوار وعطاء بلا حدود يفتح ملف التعديلات الأخيرة على قانون السرية المصرفية: دراسة تقييمية لقانون تعديل احكام السرية المصرفية، رقم ٣٠٦ /٢٠٢٢ للبروفسور فضل ضاهر (الجزء الثاني)

حمود : 

في ظل إستمرار حالة المراوحة والتجاذبات السياسية التي بلغت حدّا لا يُطاق بل يؤرق بشكلٍ خطير كل اللبنانيين المقيمين والمغتربين ويجعلهم يعيشون في حالة قلق شديد على مستقبل وطنهم وعلى ما آلت الأمور فيه، وفي ظل العجز الكامل من قِبل كل القوى السياسة المتُصارعة والمتناحرة على الساحة اللبنانية، نستمرّ في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود في مسيرتنا التي كنا قد اطلقناها منذ اكثر من خمس سنوات في تحذير اركان هذه السلطة الفاشلة والفاسدة من الإستمرار في التمادي في إستغباء اللبنانيين وبالإستخفاف بعقولهم، وهم للاسف مستمرون في ذات النهج والسياسات السابقة التي لم تجلب لنا سوى الدمار والإنهيار والتقهقر على كل المستويات، خاصة من الناحية الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، دون ان ننسى العقم الكبير الذي اصاب هذه السلطة على المستوى السياسي وهي العاجزة كلياً اليوم عن انجاز إنتخاب رئيس للجمهورية في ظل واقع مرير كان لا يجب خلاله ان ننتظر ساعات او ايام او اسابيع لأننا نتدحرج كل يوم الى درك الأوضاع الإقتصادية، المالية والنقدية غير المُطمئنة كما تشير كل التقارير الدولية والمؤشرات والمعطيات الموجودة على ارض الواقع.

وإستكمالاً لدعواتنا السابقة لتحميل المُتسبّبين بالإنهيار المُريع مسؤوليّاتهم، مُرتكبين ومُتدخّلين كانوا أو مُقصّرين، كنا قد فتحنا منذ ايام ملف التعديلات الأخيرة على قانون السرية المصرفية، والتي اثارت لدينا ولدى الكثير من العارفين والخبراء في هذا المجال الكثير من الريبة والتساؤلات حول ممارسات اركان السلطة العميقة في لبنان لأنه من الواضح جلياً انهم لا زالوا يعتمدون ومنذ زمنٍ طويل ذات المنهج والسياسات العقيمة التي لن توصلنا حُمكاً الى التغيير والإنقاذ المنشود ولا الى مكافحة الفساد المُتجذّر المطلوب إجتثاثة من اصوله وطنياً ودولياً كخطوة اساسية للبدء بلإصلاح. 

وإزاء إستمرار محاولة تضليل الرأي العام والإيحاء بأن القوى المُمسكة بالسلطة او تلك المُتعاونة والمتواطئة تتجاوب مع مطالب الإصلاح التي يطالب بها الشعب اللبناني والمجتمع المدني في لبنان اولاً، والمجتمع الدولي المُتمثّل بصندوق النقد الدولي والمؤسسات والدول المانحة ثانياً، اقرّ المجلس النيابي مؤخراً تعديلات قيل انها مُهمة جداً وجوهرية على قانون السرية المصرفية، لكن القراءة المتأنية والمُعمّقة لهذه التعديلات وبعد إستطلاع آراء اهم الخبراء القانونيين المُخضرمين في هذا المجال، اظهرت ان هذه التعديلات جاءت شكلية، مُلتبسة، ملتوية ومُعقدة مما يجعلها بمعظمها تقريباً خاوية وغير قابلة عملياً للتطبيق، وبعيدة كل البعد عن المنحى الإصلاحي المنشود والمُطالب به وطنياً ودولياً. بحيث ان تلك التعديلات تركت فعلياً معظم صلاحيات رفع السرية المصرفية بيد هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وهي الهيئة التي كنا طالبنا مراراً وتكراراً، ومنذ بداية اندلاع ازمة الإنهيار المُريع بمُساءلتها ومُحاسبتها،لأنها لم تتحرّك اصلاً وفعلياً وبشكلٍ فوري ومنذ إندلاع الأزمة وما قبل ذلك، لتُمارس صلاحياتها وتتحمّل مسؤولياتها وهي المُنشأة اصلاً تلبية لإلتزامات لبنان الدولية، والمُخوّلة صلاحيات واسعة لرفع السرية المصرفية عن الصناديق والسجلًات والعمليات والتحويلات والحسابات والهوّيات الكاملة لأي مُشتبه بتحصلّه على اموال ومُمتلكات غير مشروعة. لذلك فإن الأُطر والروابط والجمعيات المعنية بحماية أموال وحقوق المودعين والدفاع عنها والساعية لإستعادتها مدعوّة اليوم، كما كل اللبنانيين وفي أسرع وقت لتنظيم الصفوف وللإستمرار في التصدي لسياسات التسويف والإنكار والمراوغة المُعتمدة عمداً (او سهواً؟!) من طرف المُشرّع اللبناني ولرفع الصوت عالياً لإعادة النظر في هذه التعديلات ورفضها المطالبة بإلغائها وللطلب الجدي من اعضاء المجلس الدستوري الكريم بقبول الطعن الذي تقدّم به عدد من النواب الأفاضل، لإن التعديلات التي حصلت لن تضع قطار الإصلاح في وطننا على الخط المستقيم المطلوب.

وبعد ان وقفنا في الجزئين السابقين من هذا الملف حول التعديلات الأخيرة لقانون رفع السرية المصرفية على موقف دولة الرئيس ووزير الصحة السابق، النائب عن كتلة القوات اللبنانية الأستاذ غسان حاصباني،

ونشرنا المطالعة القانونية الكاملة

لرئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، المحامي الأستاذ كريم ضاهر، نستكمل اليوم إستكشافنا لأماكن الخلل والمغالطات والإلتباسات الجسيمة التي تُحيط بهذه التعديلات، نضع بين ايديكم الجزء الثاني من هذه الدراسة التقييمية لهذا القانون والتي اعدها الخبير القانوني الدولي ومفوض الرصد والدراسات والتربية والتطوير في الهيئة الوطنية لحقوق الانسان، المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب البروفسور فضل ضاهر .الذي اجرى دراسة تقييمية ناقدة لهذا القانون من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان. 

*ضاهر*:

” اضع بين ايديكم إذاً في هذا القسم الثاني من تقييمي لقانون تعديل السرية المصرفية من منظور القانون الدولي الانساني، والمُتكامل مع القسم الاول والمُتمحور تحديداً حول” اثبات عدم مشروعية illégitimité القانون موضوع هذا التقييم من جهة اولى, وحول تعليل اسباب دعوتي الملحة الى الطعن به امام المجلس الدستوري من جهة ثانية، وذلك تداركاً لمخاطر ولمحاذير ما يتأكد، بسبب هذا القانون، من إنسحاب مُعلن ومُوثّق للبنان من المواثيق والإتفاقيات الدولية التي سبق ان انضم اليها في كل ما يتصل بغسل الاموال وتمويل الارهاب، ناهيكم عن اشهاره الخطّي والمُعلن كذلك، للتفرّد بالإلتفاف على الإجماع العالمي حول تكريس مبدأ عدم الافلات من العقاب، من خلال تفلّته غير المُبرّر من موجبات تجسيد هذا المبدأ في قوانينه الوضعية عملاً بالفقرة ب من مقدمة الدستور، سيما لجهة التزامه المُتوجّب حُكماً بالإتفاقيات الدولية ذات الصلة التي سبق ان انضم اليها وانصاع لأحكامها دونما اي تحفّظ، والتي منها، على سبيل التذكير، الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد المُصنفّة عالمياً “وثيقة قانونية دولية مُلزمة للدول الاطراف” بموجب آليات اقرارها في الامم المتحدة سنة 2003 ،في ثمانية فصول و 71 مادة التزمت بها لتاريخه 187 دولة طرف منها لبنان (المُنضمّ الى الإتفاقية سنة 2009)،ومنها كذلك اتفاقية الامم المتحدة لمنع وقمع ومُعاقبة جميع اشكال الاجرام المُنظّم العابر للحدود الوطنية المعروفة بإسم اتفاقية باليرمو لعام 2000(مع بروتوكولاتها الثلاثة، وقد دخلت حيّز النفاذ في 29\9\2003 وصادقت عليها 185 دولة طرف منها لبنان).

ولئن يكن في التذكير عبرة لمن يعتبر، فإنّ تعامل لبنان مع اتفاقية باليرمو، في سائر مراحل صياغتها واعتمادها والإنضمام اليها، ترافق مع تفرّده بالتعلّق بشماعة السرية المصرفية على نحو ما هو مُوثّق في مُراسلته الخطية المُبلّغة من الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب برقم 465 تاريخ 19\6\1999، والتي حصدت تنديداً عارماً من مندوبي 114 دولة لدى تلاوتها من قبل رئيس الوفد اللبناني اثناء اجتماعات الدورة الخامسة ” للجنة المُخصّصة لوضع اتفاقية لمكافحة الجريمة عبر الوطنية” المُنعقدة في فيينا خلال الفترة من 4 الى 15\10\1999.

واني لأكاد أزعم هنا ان “المايسترو المذكور في رسالتي الصوتية الاولى” قد استغلّ عدم اطّلاع من صوّتوا لإقرار هذا القانون في الندوة البرلمانية، على حقيقة وظروف وضع لبنان لمدة عام ونيف على لائحة الدول والاقاليم غير المتعاونة من قبل مجموعة العمل المالي الدولية، وذلك بسبب مواقفه المُتفرّدة تلك واصراره على التمسّك بشماعة السرية المصرفية حتى بعد توقيعه في باليرمو للإتفاقية المذكورة اعلاه ،بشخص السيد وزير العدل حينذاك المحامي الاستاذ سمير الجسر، تماماً على نحو ما قد يتكرّر راهناً بسبب القانون موضوع هذا التقييم ،لكونه مُجافياً للمعايير الدولية ومشوباً بأخطاء ومُغالطات جسيمة وبالغة الخطورة، ان لجهة ما سبق لي ابداؤه في القسم الاول حول عيوب ما أرفق بالقانون من اسباب مُوجبة فاقدة للدقّة وللواقعية وللموضوعية، ام بالنسبة إلى مضامينه المُقتصرة عموماً على تعديلات صورية أدخلت على نصوص واحكام قد سبق ان ألغي معظمها، أن لم نقل جميعها، بمقتضى المادة السادسة عشرة من القانون ٤٤/٢٠١٥ (قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) التي نصّت على ما حرفيته “لا يعتدّ فور نفاذ هذا القانون بجميع الأحكام المُخالفة أو التي لا تأتلف مع مضمونه ولا سيما تلك الواردة في قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ ٣/٩/١٩٥٦ وفي القانون رقم ٦٧٣ تاريخ ١٦/٣/١٩٩٨ المُتعلّق بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف”!!!؟

في ضوء ما تقدّم ،فإنه لمن المُتوجّب علينا التمعّن ملياً في اسباب الاهمال غير المُبرّر لذكر هذا القانون الوطني النافذ بآلياته وادواته المُحقّقة والعاملة منذ سنة ٢٠٠١، والمُندرجة جميعها ضمن إطار تجسيد التزامات لبنان الدولية على نحو ما تفرضه الفقرة ب من مقدمة دستورنا كما ذكرت سابقاً، سواء من حيث ثبوت شرعيّة هذه القوانين المرجعية واللاغية لكل ما لا يأتلف معها، أم بالنسبة إلى خطورة تعمد تجاهلها تدليلا على انسحاب لبنان وانقلابه المضمرين على المعايير الدولية في كل ما يتصل بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بدءا بقرار مجلس الأمن رقم ١٣٧٣ المقر في ،٢٢/٩/٢٠٠١ والذي تم تبنيه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كما هو معلوم من الجميع، وانتهاءا إلى “المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح” الموضوعة في إطار توصيات مجموعة العمل المالي “الغافي” او “الفاتف”.هذا مع العلم بأن الهدف المستتر لهذا التنصل الضمني والمضمر من أحكام قوانينا الوطنية النافذة والمرعية الاجراء هذه، لا يمكن باي شكل تفسيره الا باعتباره مناورة مكشوفة لإبراء ذمة حيتان المال ومنظومة الفاسدين، اضافة الى ابراء ذمة هيئة التحقيق الخاصة التي تتوفر عشرات الدلائل على اخلالها بواجباتها الوطنية المحددة تفصيلا في قانون انشائها رقم ٣١٨/٢٠٠١مع تعديلاته، وذلك كله في تدخل يصح تجريمه ،داخليا وخارجيا، لثبوت كون جميع هؤلاء المحظيين بالحماية،سواء اكانوا اشخاصا طبيعيين ام اعتباريين،السبب المباشر للإفقار المتوحش والمنتظم والممنهج ل ٩٨% من الشعب اللبناني على نحو ما تؤكده الدلائل الموضوعية والوقائعية الدامغة التي وثقها المراقب الأممي حول الفقر المدقع في لبنان، السيد اوليفييه دي شولتر، في تقريره المودع في الاول من نيسان ٢٠٢٢ لدى الامم المتحدة( وثيقة الامم المتحدة رقم 1-A\HRC\50\38ADD ).

من جهة ثانية وفي ذات السياق، فان الاستمرار بتكرار هذا النهج المدان عالميا، يتأكد من خلال ما هو قائم حاليا للأسف، من مناورات لتمرير قانون الكابيتال كونترول بكل ما فيه من هرطقات قانونية غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث والقديم، أقله لجهة طابعه الإلغائي، ان صح القول ، لأهم ركن اساسي من اركان اي نظام ديمقراطي وفقا لآراء العالم المتنور مونتسكيو في كتابه ” روح الشرائع”، عنيت به مبدأ فصل السلطات المكرس بدستورنا مقرونا بشرطي التعاون والتوازن اللذين اطيح بهما الى درجة الانعدام في مناورات الكابيتال كونترول( المتداولة استناداً الى النشرات بشأنها في الاعلام) .

واني اذ اعد بالعودة لاحقا الى تفاصيل تقييم مناورات الكابيتال كونترول هذه ، لسوف اكتفي الآن بهذا القدر حفاظا على وحدة الموضوع،على الرغم من اقتناعي التام بتكامل الموضوعين ضمن السياق الذي نحن بصدده والذي سأحاول اختصار بعض أهم محاذيره الخطيرة على النحو التالي:

● ١_ سد جميع منافذ وسبل استعادة الأموال المنهوبة والمهدورة والمهربة، تكريسا “لقاعدة عفا الله عن ما مضى” بمعرض المناورات الحمائية للفاسدين، والتي اضاف إليها هذا القانون توجها واضحا لحماية هيئة التحقيق الخاصة التي يعلم القاصي والداني انه كان ولا يزال من واجبها، المبادرة التلقائية والفورية لضبط وحجز قرابة ٢٠ مليار دولارا اميركيا اثبتت الدلائل الوقائعية والموضوعية انها متحصلة من اموال غير مشروعة وفقا لمنطوق المادة الاولى من القانون، ٤٤/٢٠١٥ ،التي عددت ٢١ جرما اصليا خطيرا تصل عقوبتها الى السبع سنوات، والتي تضمنت بصورة شاملة وغير ملتبسة توصيفا لجميع الافعال الجرمية التي تعمد مايسترو اعداد القانون موضوع تقييمنا هذا، ارباك سلطاتنا الدستورية الثلاث، وكذلك اللجنة الهجينة الخارقة التي انشأها، في تشعبات دهاليز مقاضاتها المعقدة وغير مضمونة التطبيق لا راهنا ولا في الآجال المنظورة..

 

● ٢_ حرمان لبنان من الحقوق المحفوظة لجميع الدول الأطراف باللجوء إلى آليات التعاون الدولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتي لا جواز معها للتذرع بالسرية المصرفية من قبل اي دولة طرف متلقية لطلب التعاون(المادة ١٢ من اتفاقية باليرمو) .سيما وأننا في لبنان بأمس الحاجة الى آليات التعاون الدولية هذه، فيما لو صدقت النوايا وتوفرت الارادة الحقيقية لحماية أموال المودعين ولاستعادة الأموال المنهوبة والمهدورة والمهربة ،ممرا الزاميا لأية خطة انقاذ او تعافي،وفيما لو ثاب المسؤولون الى ضمائرهم بمعرض مراقبة ومساءلة ومقاضاة عصابات الإجرام المنظم العابر للحدود، التي تنخر مجتمعنا ويعاني بسببها شعبنا، والتي على راسها مافيات استقدام شحنات الموت والتدمير في التفجير الجنائي الكارثي لمرفأ بيروت،ناهيكم عن مافيات الاتجار بالبشر وتهريب قوافل المهاجرين البائسين في مراكب الموت،المنظمة والمتمادية في إجرامها دون اية معالجات جادة ومسؤولة.

 

● ٣_ مخاطر تعريض الوطن إلى عزلة دولية تضاف إلى شتى أساليب الحصار الممارسة عليه، في استعادة شبه مؤكدة للتجربة السابق ذكرها حول وضع لبنان على لائحة الدول والأقاليم غير المتعاونة أواخر التسعينيات، والتي يعلم يقينا كل من “المايسترو” وشركاؤه والخبراء المُعتمدون من الصناديق الدولية والاقليمية المقرضة و/او المانحة ان لبنان لم يشطب عن هذه اللائحة الا بعد انصياعه للالتزامات الدوليّة وإصداره للقانون رقم ٣١٨\٢٠٠١ المعدل بداية بالقانون ٣٢/٢٠٠٨ (اضافة تجريم الإثراء غير المشروع, واستغلال المعلومات المميزة, وإساءة استعمال السلطة وصرف النفوذ، والفساد بما في ذلك الرشوة، والاختلاس، واستثمار الوظيفة، والاحتيال بما فيها جرائم الافلاس الاحتيالي…) ،ولاحقا بالقانون ٤٤/٢٠١٥ (الذي اضاف جرائم القتل، والابتزاز، والتهرب الضريبي وفقا للقوانين اللبنانية ،وسائر الجرائم الخطيرة المتعلقة بتمويل الارهاب بشكل عام).

في الختام ،فإني وبكل تواضع، لأستميح العذر بان أضع بتصرف الرأي العام اللبناني حيثما يتواجد، وكذلك السيدات والسادة اعضاء الندوة البرلمانية لا سيما اصحاب الضمير الحي والرأي المستقل الحر الذين بادروا الى الطعن بهذا القانون امام المجلس الدستوري،مجموعة تساؤلات ذات طبيعة اصلاحية ومنطلقات إنسانية ووطنية ، وذلك لأغراض توفير عناصر ومقومات تعاون تشاركي منسّق يساهم في لم شمل وتوحيد قوى جميع من دأبهم التفاعل الايجابي، بجميع مستوياته وميادينه، مع أية مقاربات هادفة لإظهار الحقائق الموثقة والمسندة، ومع اي سلوك ملتزم بتعزيز حقوق الانسان وصون مبادئ ومعايير العدالة من حيث كونها ” قيمة مطلقة، كالحرية والمساواة والكرامة…”،ولا قيمة لأية قوانين تتنكر لها ايا تكن مصادرها، سيما منها تلك القوانين الهادفة الى الاعتداء على الملكيات الفردية في إطار بدعة ” توزيع الخسائر” بالنسبة الى اموال المودعين، التي تساوي ،بكل فجور، بين الجناة وضحاياهم. 

 

● السؤال الأول: اين الجدوى من الاجتهاد وصرف اوقات ثمينة لمناقشة، كي لا نقول تدوير زوايا، تعريفات متعلقة بالأشخاص الطبيعيين والمعنويين، في القطاعين العام والخاص، على نحو ما وردت بهذا القانون (الذي استثنى منهم، بكل تنمر، الاشخاص المعتبرين ذوي المخاطر المرتفعةPEPS)، بينما كان الاصح والاجدى ان يأخذ ممثلو الشعب بعين الاعتبار نصوصا متوجبة التطبيق ومتعلقة تحديدا بنطاق الانطباق وبالتعريفات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الملزمة للبنان بهذا الخصوص!؟ وما هو بالتالي تبرير اغفال النصوص المجسِّدة لهذه المعايير والمحددة لتفاصيل آلياتها وأدواتها التنفيذية! سيما ما يتصل منها بهيئة التحقيق الخاصة التي لا يعتد تجاه اي من مدققيها بالسرية المصرفية وذات الصلاحيات الواسعة الاستثنائية للتقصي والتحقق والتدقيق تلقائيا و\او بموجب إبلاغ to be informed، او اخبار او دعوى او شكوى . واني لاستذكر هنا كيف ان اللجنة المخصصة لوضع اتفاقية باليرمو توقفت كثيرا عند المفهوم الدقيق للإبلاغ، بمعرض مناقشتها للمواد المتعلقة بالوحدات الوطنية المالية المركزية المخولة بالتقصي والتحقق والتدقيق(يمكن مراجعة المادة ٧ من اتفاقية باليرمو المعاد تأكيدها حرفيا بالمادة ١٤ من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ،لمزيد الاطلاع على مهام هذه الوحدات المالية الوطنية المركزية وعلى صلاحياتها الواسعة والاستثنائية التي لا يعتد تجاهها بالسرية المصرفية بصورة حكمية ملزمة). واني لعلى يقين هنا بانه من واجب هيئة التحقيق الخاصة، ودون اية آليات أخرى مستحدثة بهذا القانون،تنكب مسؤولياتها الوطنية لتوفير جميع مقومات الإنقاذ والتعافي المنشودين ،اقله بنفس مقدار ما تتفاخر به ، على موقعها الرسمي، من فعالية إجراءاتها بمعرض تلبيتها العاجلة لجميع طلبات التزود بالمعلومات و/او رفع السرية المصرفية التي تتلقاها من اية مصادر خارجية بما فيها دوائر الشرطة ؟!

● اما وان الحال هو على نحو ما بات شائعا ومعلوما من استنكاف الهيئة غير المبرر عن تلبية الطلبات الداخلية ،وان من سلطات انفاذ القانون الوطنية،فان في ذلك ما يؤكد صحة ما دأبت شخصيا على تكراره منذ تاريخ ٤\١٠\٢٠١٩، من دعوات ورسائل لتصحيح تشكيل هذه الهيئة بتعديل المادة السادسة من القانون ٤٤|٢٠١٥، لأغراض ضمان استقلاليتها وتفعيل دورها في التقصي والتحقق وفي التدقيق المالي الشامل والمستدام والمتلائم مع قواعد ومعايير الامتثال،وذلك بواسطة وحدات امانتها العامة الاربع المزودة بأحدث الوسائل العلمية التقنية والمخولة قانونا بالتقصي واقتفاء اثر اية اموال او تحويلات مشبوهة ،داخلية اكانت ام خارجية وفي جميع المرافق الوطنية العامة وسائر المؤسسات المالية والمصرفية، بما فيها مصرف لبنان الذي لا تخضع له هذه الهيئة إطلاقا في أي من مهماتها بمعرض ممارسة صلاحياتها الاستثنائية الواسعة (خلافا لما هو شائع ويتم ترويجه تضليلاً بان الهيئة تخضع في ممارسة مهامها لمصرف لبنان). لا بل واني لعلى يقين كذلك ، بان هذه الهيئة، وبالرغم من تشكيلها غير السليم المستوجب للتصحيح العاجل، وفيما لو ارادت التدخل التلقائي للقيام بواجباتها عملا بصلاحياتها الاستثنائية، لأمكنها، وبدون منة من احد، تولي امر خطط التعافي الفعلية والكفيلة باستعادة الثقة بالوطن غير المفلس، وبانقاذ الشعب اقله لجهة توفير ابسط مستلزمات امنه الغذائي الصحي والتعليمي ناهيكم عن سائر حقوقه المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين المكملين له.

 

● _ السؤال الثاني: اين الحكمة في الاجتهاد لمناقشة تفاصيل تكييف او توصيف الجرائم qualification خارج إطار ما التزمه لبنان من تكييف لجرائم عابرة للحدود الوطنية ترجمها، كما أسلفت، في المادة الاولى من القانون ٤٤\٢٠١٥ المهمل ذكره بصورة متعمدة في القانون موضوع هذه الملاحظات، والمتضمن توصيفا دقيقا ومحددا لجميع الأفعال الجرمية المنتجة لأموال غير مشروعة ولممتلكات متحصلة عنها. علما بان ثمة إجماعا عالميا على اعتبار تلك الأفعال جرائم متعاقبة ومتمادية ومستمرة لا تقادم لمرور الزمن بشأنها، وبان ثمة توصيات لاحقة كذلك،صدرت عن مؤتمر الاطراف الذي شارك فيه لبنان، وانهت بتقرير إمكان ضبط وحجز متحصلات هذه الجرائم ،غير المنقولة ،من قبل سلطات إنفاذ القانون دونما اي اعتبار للحصانات الادارية، كما انهت بجواز التجاوز الجزئي للحصانات الدستورية، بالنسبة الى موضوع حجز المقتنيات والممتلكات الناشئة عن هذه الافعال الجرمية تحديدا، مع ضمان حق صاحب الحصانة بالمراجعة و بالتقاضي على قاعدة ” عكس الاثبات”.

 

● _ السؤال الثالث : اين الحكمة في عدم تقدير محاذير تفرد لبنان بتدابير معقدة وملتبسة يرجح عدم امكان تطبيقها بصورة فورية وطارئة على نحو ما تقتضيه الضرورة المشهودة محليا وعالميا. ؟!

● _ السؤال الرابع: اين الحكمة، في وضع نصوص مرهونة التطبيق باستصدار مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء على نحو ما ورد في عدة فقرات من هذا القانون ، منها على سبيل المثال الفقرة الثانية من مادته الثالثة المتعلقة بتعديل المادة ٢٣ من القانون ٤٤\٢٠٠٨ وتعديلاته( قانون الاجراءات الضريبية)،ومنها كذلك التعديل الوارد بمادته الثانية المتعلقة بالمادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف. علما بان هذين التعديلين تحديدا يبطلان ضمنا الآليات القانونية النافذة والمرعية الاجراء بمقتضى القانون ٤٤\٢٠١٥ والتي يعود سبب انعدام فعاليتها المشهود الى الاستنسابية في تطبيق هذه الآليات من قبل هيئة التحقيق الخاصة في معظم الحالات ذات الطابع الوطني الداخلي، مقابل ما سبق ذكره حول نشاط الهيئة الملحوظ لتلبية الطلبات الخارجية سواء للتزود بالمعلومات أم لرفع السرية المصرفية وايا يكن مصدر هذه الطلبات( الشرطة، وزارات وسفارات الدول، مجلس الأمن، وحدات الاخبار المالي وهيئات الرقابة الاجنبية وسلطاتها لإنفاذ القانون…). كما وان انعدام هذه الفعالية للهيئة مرتبط ،من جهة ثانية وبما لا يحتمل الشك ، بالغياب التام لاية رقابة او مساءلة لهذه الهيئة من قبل اي من المراجع ذات الصلاحية المحددة بالقوانين .من هنا كانت الدعوات المتكررة لاعادة الأمور إلى نصابها فيما لو توفرت النوايا الصادقة والمخلصة لمكافحة أنماط الفساد المستشرية دونما حسيب او رقيب،بدءًا بتصحيح التشكيل الحالي لهيئة التحقيق الخاصة المرتهن قرارها لارادة حاكم المركزي السيد سلامة وقد عين رئيسا لها خلافا للمادتين ١٩ و ٢٠ من قانون النقد والتسليف.من هنا تكمن اهمية مبادرة تكتلات وأفراد الندوة البرلمانية الساعين الى انقاذ حقيقي متيسر ومنطلق من ارادة وطنية صادقة وحرة ومستقلة ،الى دعم وتبني اقتراح قانون تعديل المادة السادسة من القانون ٤٤\٢٠١٥، المسجل لدى الادارة المشتركة لمجلس النواب بالرقم ١٢٥٦\٢٠٢٢ تاريخ ٢٥\١٠\٢٠٢٢ ،استنادا لما تناهى ويتم تداوله.

● _ السؤال الخامس: اين الحكمة في رهن مباشرة المعالجات لمواضيع مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، الموسومة عالميا بكونها خطيرة وطارئة ومستوجبة لسرعة انجاز التحقيق، باجراءات واساليب التقاضي التقليدية خلافا للمعايير الدولية التي التزم بها لبنان سواء بقرار مجلس الامن ١٣٧٣، ام بموجب اتفاقية باليرمو ام بموجب اتفاقية مكافحة الفساد، ام بموجب المعايير الدولية لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب وانتشار التسلح(في نسختها المحدثة_حزيران ٢٠١٩)

● _ السؤال السادس والأخير: اين الحكمة في مخالفة السلطات اللبنانية لمقتضيات التقيد بأصول تبليغ الوديع المعني في الأمم المتحدة، من قبل اية دولة طرف راغبة بالانسحاب من الصكوك المذكورة تباعا بمعرض هذا التقييم (وذلك بالطبع في حال ثبوت هذا التوجه الرسمي للانسحاب من قبل لبنان) علما بأن لذلك شروطاً محددة، داخلية وخارجية، لا بد من الالتزام بها ومراعاتها من قبل المراجع الوطنية المختصة تفادياً للمحاذير المعنوية والمادية التي قد تترتب عن هذا الخطأ الفادح غير المبرر. من ذلك على سبيل المثال شرط انتظار مرور سنة لنفاذ طلب الانسحاب، اعتباراً من تاريخ تبلغ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة خطاب طلب الانسحاب المرسل أصولاً من الدولة الطرف. وبديهي الاستنتاج ان في ذلك وحده ما يستوجب الغاء هذا القانون، لاعتبار ان لبنان لم يسبق له ان تحفظ على آليات الانسحاب هذه وفقا للأصول!!”


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal