عشية مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا إيذانا بإنتهاء عهده، ما يزال تأليف الحكومة متعثرا بفعل شروط فريق العهد برئاسة جبران باسيل الذي يبدو أنه لم يقتنع بعد بأن طموحاته السياسية والرئاسية ومستقبله السياسي شيء، وتشكيل الحكومة من أجل تأمين مصالح اللبنانيين شيء آخر.
منذ بداية العهد وباسيل يختصر المسيحيين بشخصه تارة لكونه ممثل العهد القوي والمسيطر على قراراته وتواقيع رئيسه، وتارة أخرى لكونه يمتلك كتلة نيابية مسيحية وازنة في مجلس النواب، وربما لم يدرك حتى الآن بأن العاملين لم يعودا متوفرين، فالعهد القوي إنتهى، والكتلة النيابية الوازنة لم تعد حكرا عليه، ورغم ذلك يحاول الايحاء بأنه المدافع الأول عن المسيحيين، لا سيما فيما يتعلق بإنتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى حكومة تصريف الأعمال نظرا لعدم نجاح المساعي في تشكيل حكومة يعلم القاصي والداني أنه يمنع تشكيلها قبل الحصول على مكاسبه التي يعتبر تحقيقها إنصافا للمسيحيين وذلك على عكس نظرة كل مكوناتهم.
لذلك، فإن باسيل الذي يحرص على إطلاق سلسلة من المواقف اليومية للتهديد والوعيد بالفوضى الدستورية في حال لم تشكل الحكومة، وأنيطت صلاحيات رئاسة الجمهورية بحكومة تصريف الأعمال، لم يعد يمتلك ما يخوله التحدث بهذا الاستفزاز والاستعلاء، خصوصا أن الدستور وجد لمنع الفوضى في البلاد ولكي يؤمن إنتظام عمل الدولة، ويمنع حصول أي فراغ في السلطة السياسية.
من هنا، فإن كل ما يروج له باسيل اليوم بات ممنوعا من الصرف، فرئيس الجمهورية لا يحق له تسليم صلاحياته الى أي جهة كانت، بل هذه الصلاحيات تسقط مع إنتهاء ولايته الرئاسية ويتكفل الدستور بنقلها مباشرة الى الحكومة الموجودة سواء كانت فاعلة أو تصريف أعمال، وهذا ما توافق عليه الخبراء الدستوريون على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية، خصوصا أنه لا يجوز الاجتهاد في معرض النص.
كما لا يستطيع الرئيس عون بطلب من باسيل أن يسحب التكليف لأن هذا الأمر ينحصر فقط بمجلس النواب الذي كلف رئيس الحكومة، ولا أن يكلف شخصية أخرى لتشكيل الحكومة في ظل وجود رئيس مكلف، علما أن ذلك يحتاج الى إستشارات نيابية ملزمة، أما توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم إستقالة الحكومة قبل مغادرته فهو لزوم ما لا يلزم كونه لا يغيّر شيئا من الواقع، لأن رئيس الجمهورية سبق وقبِل إستقالة الحكومة وكلف رئيسها تصريف الأعمال، وتوقيعه المرسوم يؤكد المؤكد وبما أن الدستور لا يقبل الفراغ، فإن الحكومة الحالية تبقى في تصريف الأعمال وبالتالي ستتسلم إدارة البلاد في ظل الشغور الرئاسي.
تقول مصادر سياسية مواكبة: إن الدستور هو المرجع الوحيد الصالح لتنظيم عمل الدولة والمؤسسات، وهو واضح حيال إمكانية تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهذا أمر مفروغ منه، لذلك فإن كل التهديدات وكل التحذيرات التي تطلق من هنا وهناك لا معنى لها على المستوى الدستوري.
وتضيف هذه المصادر: إن البلد لا يحتمل مغامرات جديدة، ومن يهدد بالشارع عليه أن يواجه شوارع مقابلة، لافتة الى أن كل التيارات السياسية باتت على قناعة بتسلم حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئاسة الجمهورية، باستثناء باسيل الذي عليه أن يتحمل مسؤولية ما قد تقترفه يداه من محاولة إحداث فوضى.
Related Posts