لا ينقص اللبنانيين الذين يعيشون بين “الدكات والرعبات” جراء الجنون الاقتصادي والمالي وإنعكاسه على الوضع الأمني، المزيد من التهويل بالثبور وعظائم الأمور من قبل فريق العهد بقيادة جبران باسيل الذي يبدو أنه يتجه للانتقام من اللبنانيين وربما من الوطن ككل بسبب إنتهاء عهد عمه رئيس الجمهورية ميشال عون، وعدم قدرته على تحقيق طموحه السياسي بالوصول الى رئاسة الجمهورية بفعل سلوكه الذي لم يترك له صاحبا.
إذا كان صحيحا ما تم تسريبه في وسائل الاعلام بأن باسيل جمع عددا من الوزراء المسيحيين وطلب منهم في حال لم تشكل حكومة على قياسه، وإستمرت حكومة تصريف الأعمال الى ما بعد الشغور الرئاسي، أن يقاطعوا جلساتها، فإن “الهستيريا” السياسية التي بدأت تسيطر عليه قبل أشهر بلغت مستوى متقدما لا بل مخيفا قد يستدعي “الحَجِر”، خصوصا أن التعطيل الذي يخطط له سيضاعف من الأزمات وسينعكس سلبا على اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وإنتماءاتهم السياسية والحزبية، وذلك في تصرف يفتقد الى أدنى مستويات المسؤولية الوطنية ومن المفترض أن يحاسب عليه القانون بتهمة التآمر على شعب لبنان العظيم.
دعوة باسيل وزراءه المسيحيين الى المقاطعة، يهدف من ورائها الى إفقاد الحكومة التي ستتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية بحسب الدستور “الميثاقية”، لكن ذلك لن يتحقق وستكون الخطوة الباسيلية قفزة في الهواء، خصوصا أن نصف الوزراء المسيحيين سيحضرون إجتماعاتها وسيشاركون في إتخاذ القرارات الأمر الذي سيساهم في تأمين هذه “الميثاقية”، إلا إذا كان باسيل يعتبر أن وزراءه هم المسيحيون والوزراء الآخرين ليسوا كذلك، أو أن مسيحيي التيار الوطني الحر غير مسيحيي التيارات السياسية الأخرى.
لم يعد خافيا على أحد، أن باسيل يكاد يفقد صوابه من إمكانية إنتهاء ولاية الرئيس عون من دون تحقيق مبتغاه الذي من شأنه أن يبقيه على قيد الحياة السياسية، لذلك فهو يحرص على أن يكون له بين الموقف والموقف موقفا يتحدث فيه عن مخاطر ما قد يحصل ويهدد بالفوضى الاجتماعية والتوترات الأمنية، ويسرب عبر وسائل الاعلام خطوات قد يقدم عليها رئيس الجمهورية قبل نهاية ولايته ومنها توقيع مرسوم قبول إستقالة الحكومة، وهي كلها لزوم ما لا يلزم ولا قيمة لها في ظل الواقع الراهن.
لا شك في أن الدستور اللبناني لم يترك ثغرة إلا وعالجها منعا لحصول أي فراغ في السلطة، كونه لا يقبل هذا الفراغ، وبالتالي فإن حكومة “معا للانقاذ” عندما قدمت إستقالتها، وافق الرئيس عون على هذه الاستقالة وطلب منها تصريف الأعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي فإن توقيع مرسوم قبول إستقالة الحكومة لن يغير شيئا وستبقى الحكومة في تصريف الأعمال منعا لحصول الفراغ، أما الهرطقات الدستورية الأخرى فهي عبارة عن قنابل دخانية لا يمكن أن تترجم في ظل إتفاق الطائف والدستور الحالي، ما يعني أن حكومة تصريف الأعمال في حال الشغور الرئاسي وعدم تشكيل حكومة في حال أصر باسيل على شروطه الهادفة الى تمديد العهد العوني والتحكم بالسلطة من دارة الرئيس عون في الرابية، ستكون أمرا واقعا لا مفر منه، لأن المشرع كان أدرك مخاطر الفراغ في السلطة وما يمكن أن تؤدي إليه من توترات وفوضى، لكنه حتما لم يكن يتوقع أن تصل أنانية البعض الى حرق البلاد وتشريد العباد لتحقيق مصالحه الشخصية.
Related Posts