بين قانا وكاريش… مضيق هرمز متوسطي!!… بقلم: النائب أديب عبدالمسيح

في رحلتي من دبي – الإمارات العربية المتحدة إلى سنغافورة، البلدان التوأمان في السيادة والرقي والتطور والحوكمة والإقتصاد الحر والحكومة الرقمية والذي لا يفصل بينهما سوى التوقيت واللغة. لفتني جمال وروعة البحر من فوق وسر هذه الناقلة التي تعبر بسلام… أقله الآن. إلا أن واقع الحال من تحت لا يعكس الرؤيا من فوق. فالبحر ليس بساكن كما أراه، هو يتقاذف الأمواج ويواجه الرياح ويحارب السفينة، أما الموقع فهو هادئ حتى إشعار آخر: إنه مضيق هرمز الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن الأراضي الفارسية، أما السفينة  أتراها إيرانية تنقل النفط تحت أنظار العقوبات أو أنها عربية بضوء أخضر؟

هذا الحزام المفتوح والحساس أمنياً يقابله حزام آخر في شرق البحر المتوسط وتحديدا بما صار يُعرف بخط الطفافات الذي سيفصل حقل قانا اللبناني عن كاريش… التقاطع ما بين مضيق هرمز و”كوريدور” قانا ـ كاريش هو الوجود الإيراني… إن كان مباشراً في منطقة الخليج أو بالوكالة في لبنان.

أما السفن التي ستعمل من وإلى الحقلين،  فسيبقون رهينة الصراعات العالمية وعلى رأسها الحرب الباردة الصينية الأميركية وتوتر خط الحرير مروراً بالتشنج الخليجي ـ الفارسي وصولاً إلى الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتموضع إسرائيل من هذا كله. 

أما لبنان، فيمكنه أن يصبح الرابح الأكبر إن أراد، أو أن يبقى طرفاً في صراع لا حول ولا قوة له فيه. فبعكس التراث المعتمد لدى بعض اللبنانيين المتوهم أن قوة لبنان تكمن في وجود سلاح داخلي خارج الدولة يدافع عنها، أما العكس فصحيح، للأسباب التالية:

أولا: رأينا في الأيام الماضية كيف استطاعت دول أوبك+ أن تفرض واقعها التحكمي وأن تقلّص إنتاجها بمليوني برميل يوميا بعكس إرادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تحاكي واقعا مختلفا مع قرب إنتخاباتها النصفية، أي أن القوة الإقتصادية والتموضع في أخذ القرار أتى بنتيجة أفضل.

ثانيا: استثمرت اسرائيل في حقل كاريش حوالي ١.٧ مليار دولار وهو يحوي على مخزون غازي يقدر بـ حوالي ١.٧ ترليون قدم مكعب بالإضافة إلى حوالي الستين مليون برميل من النفط الخفيف. ولمصلحة إسرائيل أن لا يبدأ لبنان بالتنقيب وإن فعل فسيكون قد خسر الكثير من الوقت ناهيك عن إمكانية فرض عقوبات لاحقة بحجة سيطرة حزب الله على الآبار النفطية و الإستفادة منها وهذا عذر قد يستعمل ضدنا في أي وقت، أضف إلى تأثير هذا الملف على الإنتخابات الإسرائيلية المقبلة.

ثالثا: من مصلحة إسرائيل التي تملك خمسة حقول قريبة من لبنان لا يقل مخزونها عن أربعة ترليون قدم مكعب أن تبقي على الوضع هادئاً ومن دون أحداث أمنية ومن المنطق أن تكون بعيدة عن الحرب التقليدية والنزاعات، ليس حباً فينا، بل لتأمين سلامة إنتاجها والأهم تأمين و”تخفيض كلفة” نقل الغاز و هو العامل الأهم في عالم الطاقة.

رابعا: يخسر لبنان وقد خسر الكثير (حوالي ٣٠ مليار دولار) من التأخير في استخراج غازه ونفطه، أما السبب فيعود إلى فساد الدولة ووجود السلاح الذي يغطي هذا الفساد بينما يجهل بعض اللبنانيين أن قوة الدول والشعوب في العصر الحديث يكمن في التمركز والنمو الاقتصادي والإجتماعي، خصوصا في الدول الصغيرة مثل لبنان التي يمكن أن تؤمن سيادتها عبر دولة متطورة تحت شبكة أمان إقليمية ودولية برغم واقعها الجغرافي كما فعلت سنغافور.

خامسا: تحت مقولة “حيث هناك دم استثمر”، أضاع لبنان فرصة الدخول إلى النادي النفطي في ظل الصراع الروسي الأوكراني وقبله الحرب السورية والمشكلة التي تعاني منها أوروبا جراء قطع إمدادات الغاز لها من روسيا. بينما شغلنا الشاغل كان في الانغماس بهكذا صراعات بدل تحييد لبنان عنها والإستفادة منها…

سادسا: يقدر مخزون الغاز في البحر اللبناني بضعف ما تحتويه إسرائيل والتي هي مدركة تماما من خطورة ضخ الغاز اللبناني قبلها. ففي ظل عدم وجود دولة قوية مسيطرة على جميع مرافقها ومؤسساتها وحدودها وبعدها عن الحضن العربي الإستراتيجي، استفادت إسرائيل على مبدأ “فرّق تسد” من الإنقسام الداخلي لتتبوأ الطليعة في إنتاج النفط على الساحل الشرقي.

في النتيجة وبينما ننشغل في مشاكل إنهيار الدولة وإفقار اللبنانيين وهجرتهم في ظل غياب رجال إنقاذ فعليين،  تمكنت اسرائيل من تسييل غازها من دون تسييل دماء، لتخبرنا أن النظرية الواهمة التي تسمى ميزان قوى ما هي إلا وقت ضائع لتفرض واقعاً بحريا شبيها بـ”مضيق هرمز” وتتحول حقولنا إلى قنبلة موقوتة فتيلها السلاح غير الشرعي..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal