فريد مكاري مرّ من هنا!.. غسان ريفي

عندما شعر أن السياسة لم تعد تشبهه وأنها تحولت من خدمة الناس الى التآمر عليهم أشاح بوجهه عنها وإعتزلها غير آسف عليها، لكنه بقي متابعا لكل شاردة وواردة ومن دون تعليق، وآثر البقاء الى جانب أهله وناسه وكورته فاتحا دارته في بلدته أنفه لكل المحبين..

هكذا هو دولة الرئيس فريد مكاري الذي بقي نائبا عن الكورة منذ العام 1992 الى أن قرر بملء إرادته أن يستريح مفسحا المجال الى الطامحين، ولو لم يقرر ذلك، لبقي “مالك القلوب” خيار الكورانيين الأول كما كان دائما.

كان فريد مكاري صاحب موقف حاسم وحازم، فعلى مدار مسيرته السياسية لم يهادن، ولم يساوم ولم يتراجع أمام صعوبات، ولم يبدل أمام تهديد، ولم يخضع لأية إغراءات، كان شامخا أبيا، وفيا للمبادئ التي آمن بها، ولأصدقائه الذين لم يتخل عنهم يوما، ولحلفائه الذين لم يبتعد عنهم.

لطالما شكل فريد مكاري نموذجا يحتذى في السياسة، خصوصا أنه كان موضع إجماع الحلفاء والخصوم على حد سواء، فمن النيابة الى وزارة الاعلام الى نيابة رئاسة مجلس النواب، الى طاولة الحوار الوطني التي كان أحد أركانها، أعطى دولة الرئيس قيمة مضافة للعمل السياسي، كرجل حوار يحالف بشرف ويخاصم بشرف، ويعطي كل ذي حق حقه، ويؤمن بسيادة لبنان وحريته وإستقلاليته.

لم تنسِ هموم السياسة فريد مكاري الناس الذين كان يخصص لهم أكثر وقته، ولا يكلّ ولا يملّ في سبيل خدمتهم التي كانت تسبقها إبتسامة أو دعابة تحافظ على الكرامات وتجبر الخواطر، فكانت دارة أنفه محطة دائمة للمحبة والخير والوفاء والعرفان بالجميل، كما كانت الجلسات الصباحية على فنجان القهوة أشبه بمدرسة سياسية يقدم فيها أبو نبيل رأيه ورؤيته لكن من دون تدخل مباشر أو تصريح أو إطلاق موقف، فقد إنطوت المسيرة السياسية الى غير رجعة، لكن خدمة البلاد والعباد تبقى حتى النفس الأخير.

لم يأبه أبو نبيل للمرض الذي فاجأه، فتعاطى معه بإيمان مطلق أعطاه قوة وعزيمة وتفاؤلا، فكان هو من يواسي من حوله ويدعوهم الى عدم القلق، ويبدد هواجسهم بمزحة من هنا وإبتسامة من هناك، وبتأكيد المؤمن بأن مشيئة الله ستكون نافذة في كل الأحوال، وبالتالي لا بد من التسليم لمشيئته.

كما في حياته كذلك في مماته لم يكن فريد مكاري يحب الضجيج، لذلك فقد أوصى بمأتم عائلي ضيق، لكنه ربما نسيَ أن لبنان كله عائلته، فضاق دير سيدة البلمند وكنيسته بالمحبين الذين أتوا من كل حدب وصوب، وفاءً لرجل من أغلى معادن الرجال، وخرجت بلدته أنفه التي عمها الحزن وإرتفعت فيها الرايات السوداء لاستقبال جثمانه في نظرة وداع أخيرة حملت كل معاني الحزن والأسى.

دولة الرئيس.. لغيابك مرارة فقدان الأحبة، لكن زرعك باق وسيثمر في “النبيل” الذي أحببت، وفي شريكة العمر والتعب مها، وفي سائر أفراد العائلة الذين نهلوا من حكمتك وثقافتك وعلمك، لذلك، فإن ذكراك ستمتد من العائلة المكلومة ومن دارة أنفه الثكلى ومن الكورة الحزينة الى كل لبنان الذي سيذكر تاريخه المجيد أنه ذات حقبة !..سياسية مضيئة، فريد مكاري مرّ من هنا وترك بصمات لن يقوى الزمن على محوها

Post Author: SafirAlChamal