منذ انقضاء إستحقاق الإنتخابات النيابية في 15 أيّار الماضي، تقدّم إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية على ما عداه من إستحقاقات، بما فيها إستحقاق تشكيل الحكومة التي جرى تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأليفها، في 23 حزيران الماضي، غير أنّ عقبات وعراقيل عدّة حالت دون إبصارها النّور.
طيلة الأيّام التالية التي أعقبت الإنتخبات النيابية برز أمر خطير غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية في لبنان وفي مشاركة الطائفة السنّية فيها، وتحديداً في استحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية، حيث كان للسنّة دوماً دورٌ في المناقشات والمشاورات والمشاركات في تسمية “فخامة” الرئيس، برغم كون الأخير مارونياً.
الإستحقاق الأخير كان خير شاهد على هذا الكلام، ذلك أنّ تبنّي رئيس الحكومة السّابق وزعيم تيّار المستقبل سعد الحريري إسم العماد ميشال عون مرشّحاً لرئاسة الجمهورية في عام 2016، فتح الطريق عملياً نحو وصول الجنرال إلى قصر بعبدا، بعد فراغ في منصب الرئاسة الأولى دام أكثر من سنتين، لم ينته إلا بعد تراجع الحريري عن تبنّي رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية كخيار رئاسي له، وبعدما مشى الزعيم الزغرتاوي في خيار انتخاب عون.
وعلى الرغم من أنّ إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية يكون عادة نتيجة توافق إقليمي ـ دولي يُترجم داخلياً، فقد كانت الطائفة السنّية تشارك في “الطبخة” الرئاسية على قدرٍ مساوٍ للطوائف الأخرى الرئيسية، الشيعية والمارونية والدرزية، وأحياناً متقدمة على بعضها.
في الإستحقاق الرئاسي المقبل الذي تبدأ مهلته الدستورية بعد أسبوعين، بدءاً من أوّل أيلول حتى نهاية تشرين الأوّل المقبلين، والتي يفترض أن يجري خلالها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس عون، تغيب الطائفة السنّية أو تكاد عن المشاركة في “طبخة” الإستحقاق الرئاسي.
ليس تفصيلاً بسيطاً أن تغيب طائفة لطالما اعتبرت نفسها “أمّة” و”إم الصبي” عن إستحقاق إنتخابي يعتبر الأول والأبرز بين الإستحقاقات الإنتخابية الأخرى. مرجعياتها السياسية غائبة عن المشاركة في مداولات الإستحقاق الرئاسي على خلفية عزوفها عن الترشّح للإنتخابات النيابية الماضية، وبالتالي لا صوت لها في المجلس النيابي، وكذلك يكاد يغيب النوّاب السنّة في المجلس النيابي الحالي، الذين يحقّ لهم وحدهم دستورياً الإقتراع لمصلحة هذا المرشّح الرئاسي أو ذاك.
فالنوّاب السنّة الحاليون لا أحد من القوى السياسية الحالية يأخذ برأيهم في الإستحقاق الرئاسي، أو يلتقي بهم، سواء من المرشّحين أو من أصحاب القرار، نتيجة ما أفرزته الإنتخابات النيابية من تشرذم نوّاب الطائفة السنّية، وهو ما كشفته الإستشارات النيابية الملزمة التي أجراها عون وأسفرت عن تكليف ميقاتي، إذ شارك 16 نائباً سنّياً بشكل منفرد في الإستشارات، برغم أنّ أغلبهم سمّوا ميقاتي، ما جعلهم بلا وزن حقيقي وبلا تأثير ولا أصحاب كلمة في الإستحقاق الرئاسي.
الطائفة السنّية تعيش حالياً أزمة عميقة، وهي تعبير وترجمة حقيقية عن أزمة نظام وأزمة حكم وأزمة بلد.
Related Posts