تُعرّف الحداثة بأنها: الانتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة، ووجود تغيير ما، دورها ماثل في التاريخ، يرتبط مع التطوّرات الفكرية التي ظهرت في العالم والتي اتّسمت بظهور تيارات أدبيّة وفنية.
تأمّلت في عنوان مقالتي، ثم بالفكرة التي داهمتني حين بدأت الكتابة، فوجدت انني لست بصدد كتابة بحث عن الحداثة، إنما عن سجل النثر المديني، وهو سجلٌّ يحتوي في ملفاته على كافة حركة المدن، في جميع المجالات، ويسمح بتقييمها على معايير الحداثة، أتابع الإعلام اللبناني وحملته في الترويج لبرنامج وزارة السياحة، “أهلا بهالطلّة”، وبعض انعطافاتها – الحملة – على دمج السياحة بالثقافة.
لا بدّ من توضيح أمرٍ ؛
أكتبُ أستاذة جامعية متقاعدةً، مكشوفة، مواطنةً بلا حقوق، تأكل راتبي الضئيل مستلزمات عيشٍ في أدنى مستوياته الاجتماعية، خائفة من مرضٍ يداهمني، غير مضمونة فقد تبخّرت أموال الضمان الصحي، تركونا على حافة منصات الهندسات المالية، الفقراء الجُدد؛ كنا في الجامعة وفي كلية الآداب نعرف كيف يجمع ” أبو علي” على ضفتيه تاريخا ممتدا من الوادي المقدس إلى ناحية سوق الأحد، لا تسل اليوم عن كليات الآداب، ولا تسل عن برتقال الفيحاء؛ أودّ أن تسعفني الكتابة فأحكي لماذا لم يعد هذا النهر يتذكر حتى الماء، ولماذا أضعْنا الطريق مشياً من مدرسة السلطانية إلى ساحة الكورة، ومن الزاهرية الى سوق البازركان والعسكر، والتجوال في الأزقة، وطفلٌ في داخلنا يصعدُ سلالمَ العوينات وصولاً إلى القلعة، سيّدة القلاع، ذات الأبراج والحُجب والخندق المحفور في الصخر، إنني مقتنعة بأن الكتابة الأدبية عن المدن ليست هروبا من واقعٍ مأساوي، وأنه بدونها، لا ثقافة، لا قوس قزح في نشاطاتها، إن يرنامج وزارة السياحة سلّط فعاليته على البلدات والقرى، وبالتدقيق نجد أنه لم يعط المدن الكبرى، ما تحتاجه من سمات الحداثة في البرمجة والتنظيم، ثم الإبتكار .
فما الذي تحتاجه المدن؟
إن جمال البلدات والقرى اللبنانية ثروة لا تُضاهى، حداثة البرنامج انبثقت من تيمة العودة الى الطبيعة، وطرابلس، ليس كمدينةٍ كبيرة وحسب، إنما كمدينة متوسطية رائعة، نراهن على تواصلها حداثيا بمدن البحر الأبيض، ثقافياً فنياً أدبيا ابداعا، عن رجلٍ اسمه “جان فيلار” اندفع مهووساً بخيالٍ تحدّى به، باريس، انتزع منها منذ العام 1947 خط ضوء، وجعل من مدينة فرنسية صغيرة، أفينيون، عاصمة لفنون الحداثة، وتبقى مذهلة، كنت كلما تجولت في أحياء طرابلس وأمكنتها، أسافر إلى أفينيون، إلى أن فقدَ النثرُ المديني دوره، ومقاصده في الكتابة عن معنى مهرجانات طرابلس، بصيغة أدبٍ جميل يشبه هذه المدينة المتوسطية، إنها زماني الكتابي ومكاني، منذ العام 2001 خاصة، تاريخ تأسيس جمعية طرابلس السياحية، ومنذ أن أضيء معرض رشيد كرامي الدولي لأول مرة في أول مهرجان، وما تبعه من نشاطات بنتها الجمعية بريادة شجاعة على الثقافة والفن، خطوة خطوة، كادت تصل إلى تكريس طرابلس في إطار تيمة استراتيجية كبرى، أبعد من استضافة فرقة موسيقية في موقع أثري، كادت تربط بين تفاصيل الأزمنة على مثل ما كتبت ايفلين كلنيكل – براندت في “رحلة إلى بابل القديمة “، أهدتها إلى أمها، وعلى مثلها لو تسعفني الكتابة عن المهرجانات والحداثة، والحداثةُ لغزٌ، أهديها إلى بورتريه رجلٍ يعرف أن الأزقّة جديرةٌ بالحب، وأنه على بساطٍ تنسجه لطرابلس أشعة الشمس للفن، والإبداع والرقص والغناء والمسرح، يبقى اسم المدينة خالداً، حيث كان العدلُ، يوماً!!
Related Posts