إفتتاح مركز في طرابلس لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب ومؤتمر عن ضمان إعادة تأهيل ضحاياه ومقاضاة المرتكبين

نظم مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، برعاية النقيبة ماري تراز القوال فنيانوس، مؤتمرا مشتركا للمنظمات والجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان بعنوان “معاً لمقاضاة مرتكبي التعذيب وضمان إعادة تأهيل ضحاياه”. 

حضر المؤتمر النائب طه ناجي، والنائب أشرف ريفي ممثلاً بالدكتور محمد كمال زيادة، النائب السابق مصباح الأحدب، أعضاء مجلس نقابة المحامين في طرابلس، السفارة النروجية ممثلة بمنال قرطام، مدير المركز اللبناني لحقوق الإنسان فضل فقيه، مدير مركز المعونة والمساعدة القانونية في النقابة فهمي كرامي، ممثلون عن جمعيات معنية بحقوق الإنسان، ومحامون ومحامون متدرجون وحقوقيون. 

  

بداية، كلمةٍ ترحيبية لعضو الهيئة الإدارية في مركز حقوق السجين ندى نجار تحدثت فيها عن “معاناة الشعب اللبناني وما يرزح تحته من ضروب التعذيب والمعاملة اللاإنسانية التي تجاوزت كل الحدود وفاقت كل التعاريف وبات أسيراً في وطن يحتضر”.  

وقالت: “لقد أمر الله الناس أن يحكموا بالعدل وأن لا يطغوا، ورفع الإنسان على سائر المخلوقات وأمر الملائكة أن تسجد لآدم، فلطالما ثارت شعوب الأرض من أقصاها إلى أقصاها من أجل دعم حرية لعنتها الأديان السماوية مجتمعة، أو من أجل إنقاذ حيوان على طريق الإنقراض، وشنت حروبا على دول بحجة طغيان حكامها، تحركات لم نشهدها من أجل إنقاذ الإنسان في لبنان خاصة بعد أن تطاولت يد السوق السوداء على الرغيف زاد الفقير، أما أمركم الله تعالى أن لا تحضوا على طعام المسكين، فكم نحن بحاجة إليك أيها السيد المسيح بعد أن حول السماسرة والطغاة والمصارف والصرافون وطني مهد الديانات السماوية إلى مغارة لصوص أن تحطم طاولاتهم وتطردهم من هيكل العلم والثقافة لبنان، فنحن لم يعد بإمكاننا أن نعتمد على قوة طير الفنيق ليبعث لبنان من جديد فلقد نجح الطغاة بأن يسلبوه قوته الأسطورية وتقاسموها فيما بينهم”. 

القوال 

ثم ألقت النقيبة القوال كلمة جاء فيها: “أمام قضية التعذيب موضوع لقائنا، أجدني مضطرةً إلى التذكير بما كنت قلته الأسبوع المنصرم في ندوةٍ مشابهة، من أن التعذيب نقيض الإنسانية، وأكمل ههنا لأقول إن ذلك ليس من جهة الضحية فحسب، بل من جهة الفاعل أولًا وقبل كل شيء؛ فإنه إذا كان التعذيب في التعريف القانوني يعني معاملة الضحية بأساليب ووسائل تحطّ من كرامتها الإنسانية، فإن الفاعل هو أيضًا يفقد الصفة الإنسانية والكرامة الإنسانية ويتحول إلى وحشٍ ضارٍ أو آلةٍ صمّاء عندما يمارس على سواه جريمة التعذيب ببرودة أعصاب، كما يحدث في معظمِ الحالات المشكوّ منها لدى كلّ الدول وفي كلّ العصور، فنحن إذًا أمام جريمة مزدوجة النتائج، فيها الجاني والمجني عليه كلاهما ضحيتان في موقعين، بحيث تصبح جهود مناهضة التعذيب مزدوجة النتائج أيضًا لأنها تعيد إلى الطرفين الكرامة الإنسانية التي يفقدانها معًا في الوقت نفسه”. 

أضافت: “إذا كانت الشرائع السماوية التي ندين بها، والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية التي نخضع لها قد جرّمت كلّها التعذيب بمختلف مظاهره، الجسدية والنفسية والروحية، فإن علينا أن نتذكر أيضًا أن هذا الفعل ليس جرمًا معاقبًا عليه بموجب قوانين جزائية إذا طاول فردًا ما أو مجموعة أشخاصٍ في أحوالٍ معينةٍ نصّ عليها القانون، فإنه يبقى جرمًا ولو سكت عنه العالم كله، إذا طاول شعبًا كما يحصل في فلسطين، إنه يبقى جرمًا، ولو لم ينص عليه قانون عندما تعذّب سلطةٌ شعبها بتفقيره والاستيلاء على مدخراته ودفعه إلى الموت غرقًا في بحرٍ يجده درب الخلاص الوحيد، إنه يبقى جرمًا، ولو لم تقاضِ المحاكم فاعليه، عندما تتخلّف دولةٌ عن تأمين الخبز والدواء والماء والكهرباء والتربية والاستشفاء إلى مواطنيها المقهورين. إنه يبقى جرمًا، ولو تجاهله الإعلام، عندما تعجز دولةٌ عن سدّ حاجات موظفيها إلى مستلزمات العمل اليومية، وتنظر إليهم مضربين ومحتاجين فلا تعيرهم التفاتاً، إنه يبقى جرمًا، ولو أغلقت دونه العيون، عندما تنفق الأموال الطائلة في شراء الذمم الانتخابية بدلًا من الدواء والطحين، هذه الأفعال كلها تدخل، في عُرف الأخلاق الوطنية، ضمن منظومة جرائم التعذيب المنافية للإنسانية، وهي كلّها منكراتٌ ينبغي رفضها والتصدي لها من دون مهادنة، وصولًا إلى تغييرها باليد أو بالقلب أو باللسان كما في الحديث الشريف؛ وأقلّ الإيمان بشأنها مساندة ضحاياها المعذّبين ونحن منهم، الذين ترْتَكب بحقنا يوميًّا جرائم التعذيب النفسيّ المتمادية، بفعل السلطة أو امتناعها أو تقصيرها أو إهمالها”. 

  

وأردفت: “كنت أؤثر أن يبقى قلمي على حافّة الموضوع، لكن حبره، مثلما اعتدنا في أيام الدراسة، فاض من شقّ الريشة، وسال على الصفحة فلطخ الكلمات، وتجاوز إطار البحث، ربما كان ينبغي لي أن أحصر القول في جريمة التعذيب من ضمن المفهوم القانوني البحت، أو ربما كان عليّ أن أفعل َكما فعلت وأنظر إلى هذه الجريمة من منظارين اجتماعيّ وسياسيّ، مهما يكن من أمرٍ فقد قلت ما قلت، وإنّي لمؤمنةٌ به، وإنّكم مثلي… به لمؤمنون”. 

وختمت القوال كلمتها بإعلان إفتتاح مركز في النقابة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب صحياً ونفسياً وإجتماعياً وقضائياً وصولاً لإعادة دمجهم في المجتمع، وذلك بالتعاون مع المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وبتمويلٍ من السفارة النروجية، والذي سييدأ باستقبال ضحايا التعذيب إبتداءً من 1/9/2022. 

  

ثم عُرض فيديو مصور حول حصاد أربع سنواتٍ من رصد حالات التعذيب وتقارير إحصائية عن السنة الحالية. 

قاعود 

بعدها، ألقى علاء قاعود كلمة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شرح خلالها الآليات الدولية لمناهضة التعذيب وعلاقتها في ملف التعذيب وسوء المعاملة في لبنان، وقال: “كما تعلمون انّ قضية التعذيب والإختفاء القسري كانت من القضايا الأولى التي إهتمت الأمم المتحدة بها، فبعدما كان هناك رمض لإنشاء آلية داخلية لحقوق الإنسان في الدول، ساهمت هذه القضية حتى اليوم في إنشاء عشرات الآليات الدولة، فموضوع التعذيب كنص دولى مسائله واضحة تماماً، وهو محظور بموجب القانون الدولي في أي سياق وتحت أي ظروف، ولبنان طرف ملتزم في الإتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب، وبموجب هذه الإتفاقية هناك عدد من الآليات التي تعمل اللجنة الدولية عليها، فالآلية الأولى هي موضوع تقارير الدولة الدورية، وقد كان مفترضٌ على لبنان تقديم تقريره الثاني العام الماضي وهذا مالم يفعله حتى الآن، وهذه فرصة ان تتواصل النقابة وكافة المؤسسات المعنية مع اللجنة، وهذا بالتأكيد سيدفع اللجنة للتركيز على ملاحظاتها السابقة للبنان، فهذه فرصةٌ لنا خلال فترة إعداد التقرير للتعاون وإياكم في إعداد التقارير وإبداء الملاحظات”. 

  

وتابع: “الآلية الثانية هي آلية بعثات التحقيق، ولبنان طرف بها أيضاً، وقد سبق وزارت بعثة تحقيق لبنان بحسب الإتفاقية وقدمت تقريرها في العام 2013. أما الآلية الثالثة فهي آلية الشكاوى الفردية، ولكن للأسف لبنان لم يوافق على هذه الآلية، وهذه يُمكن أن تكون أحد التوصيات المنوي رفعها. كما يهمنا ان نعلن عن أهمية التعاون مع اللجنة الفرعية الخاصة بالبروتوكول والتي قامت بزيارة لبنان لمرتين بحكم عملها، وهي لجنة تُعنى بالوقاية وتقاريها غير علنية الاّ إذا الدولة وافقت على نشر التقارير”. 

وتناول بعض النقاط والتوصيات والدراسات التي يُمكن التعاون والإستفادة منها. 

وفيما يخص مساعدة ضحايا التعذيب، أكد بأن المفوضية “وضعت صندوقاً مستقلاً للتعاون مع المنظمات غير الحكومية المعنية بمساعدة ضحايا التعذيب، وهو يُساعد في تقديم المئات من المنح سنوياً، وهذا سوف يتم لحظه في المشروع المنوي تنفيذه في نقابة المحامين في طرابلس، كما أوضح بأن المكتب الإقليمي يغطي 10 بلدان في المنطقة بما فيها لبنان، مما يعني بأنه منفتح تماماً للتعاون مع الجميع في مختلف المجالات”.  

 

صبلوح 

ثم كان لمدير مركز حقوق السجين في النقابة محمد صبلوح كلمة جاء فيها: “بعد تجربة سنوات من مكافحة جريمة التعذيب وبعد توثيق عشرات الحالات التي أعلنا عنها في مناسبات مختلفة لاجئين الى القضاء لتطبيق القانون ٦٥/٢٠١٧ (تجريم التعذيب) اصطدمنا برفضٍ قضائي في معاقبة منتهك جريمة التعذيب حيث تحال القضايا الى النيابة العامة العسكرية لتحفظ بعدها في الادراج…”. 

وقال: “في العام الماضي وفي إحياء مناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب أعلنا عن شاهد حي يعرض حالة التعذيب التي تعرض لها أثناء التحقيق، ووعدنا وزير الداخلية السابق بإجراء تحقيق جدي لكن للأسف دون جدوى، الامر الذي حملنا الى تقديم شكوى رسمية أمام النيابة العامة التمييزية التي بدورها رفضت تسجيلها قبل قيامنا بتحقيقات تثبت التعذيب وهذا الأمر من صلاحية القوى الامنية، الأمر الذي حملنا لتقديمها عبر البريد ولا زلنا بانتظار التحقيقات في هذه الجريمة”. 

أضاف: “هذا الأمر يثبت أننا نواجه ثقافة خاطئة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية تسمح لمرتكب جريمة التعذيب من الافلات من العقاب وهذا الأمر يحملنا مسؤولية كبيرة تتجلى في إجراء تعاون شفاف مستمر بين النقابة ومنظمات حقوق الإنسان والأجهزة الأمنية والقضائية لتغيير هذه الثقافة التي تسمح بانتزاع الاعترافات بالقوة، فلقد أعطانا اليوم مدير معهد حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلى وممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عثمان خلاصة عملهم في مجال حقوق الإنسان وتحسين الأداء ونحن بدورنا نثمن هذا العمل ونتمنى أن نتساعد جميعاً في ترجمته في التطبيق وهاهي يدنا ممدودة لجميع الأجهزة الأمنية في التعاون لتطبيق نص المادة 47 أصول محاكمات جزائية والقانون ٦٥/٢٠١٧ (تجريم التعذيب) ومحاسبة مرتكبيها”. 

 ثم عرض آلية المخالفات في تطبيق نص المادة 47 أصول محاكمات جزائية “سواء لناحية جهل الضابطة العدلية في آلية التطبيق أو لناحية التهرب من تطبيقها بشتى الوسائل المختلفة من قبل الأجهزة الأمنية، ولناحية تطبيق القانون 65/2017 وانعدام تطبيقه على الرغم من مرور 5 سنوات على تشريعه، لكنه للأسف مازال حبرا على ورق بسبب رفض القضاء تطبيقه وعدم إجراء أي تقدم يذكر حتى اليوم”. 

كذلك عرض حالات مختلفة حصلت عام 2022 تظهر آلية تعامل القضاء في تطبيق قانون تجريم التعذيب و”عدم اتخاذ أي خطوة جدية لمحاسبة مرتكبي الجريمة الأمر الذي يشكل حصانة لهم وضماناً للإستمرار في انتزاع الاعترافات بالقوة”. 

 

اليحشوشي 

ثم كانت كلمة لمساعد رئيس قسم حقوق الإنسان في المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي وعضو لجنة مناهضة التعذيب في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الملازم الأول فرانكو اليحشوشي، ممثلا المدير العام للأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، شرح فيها حماية حقوق الإنسان في المديرية و”التنويه الذي تحصل عليه من الخارج دون أن يعلم به المجتمع اللبناني”. 

وقال: “لهذا السبب نحن هنا اليوم لنعرض لكم الإنجازات التي قمنا بها على مستوى حقوق الإنسان، وإستراتيجية العمل المتبعة، كي لا يكون التركيز فقط على الأخطاء الفردية التي لا تتعدى نسبة 15 في المئة من إنتهاكات حقوق الإنسان”.  

وتطرق الى “التحديات التي تتعرض لها المديرية كالكورونا، والإكتظاظ، نسبة الموقوفين المرتفعة، الوضع الإقتصادي بالإضافة الى الوضع الأمني منذ بداية التظاهرات”، شارحاً الخطوات التي قامت بها المديرية لمتابعة موضوع التعذيب والتي تمّ تقسيمها الى أربع نقاط: “الرصد والمراقبة، آليات الشكاوى، التشبيك مع الجمعيات المختصة، بالإضافة الى حقوق عناصر الأمن الداخلي التي وللأسف لا يتناولها أيّ شخص، فهي الأكثر تأثيراً على الموقوفين والسجناء كونهم الأكثر تواصلاً معهم”. 

 وتحدث عن موضوع “الفصائل النموذجية للتحقيقات، والذي تأخر إطلاقه بسبب الأحداث الأخيرة”. ودعا الجميع الى “زيارة فصيلة بيروت النموذجية، التي تتناسب مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي نطمح أن تتحول جميع فصائل لبنان اليها، على صعيد العديد والتدريب وكيفية التعامل مع الموقوفين وإحترام القوانين”. 

وتناول إعادة تشكيل لجنة لمناهضة التعذيب وآليات ورصد ومراقبة إنتهاكات حقوق الإنسان المعدة من قبل قسم حقوق الإنسان في المديرية، ومدونة قواعد السلوك ونوذج شكاوى السجناء. وقال: “علينا أن نُظهر للعلن ما نقوم به في المديرية ليبقى هناك نفساً إيجابياً في التعاطي مع قوى الأمن، وكي لا ينظر الرأي العام الينا وكأننا غير جديرين بالثقة، فإما أن نثق بإداراتنا ومؤسساتنا لمحاسبة الأخطاء الفردية، والاّ لن نتقدم مهما قمنا بتشريع قوانين”. 

ثم كانت مداخلات لكلٍّ من: هلا حمزة مركز helping لحقوق الإنسان”، حافظ بكور ” مركز وصول لحقوق الإنسان”، فضل فقيه ” المركز اللبناني لحقوق الإنسان”، ديالا شحادة ” مركز الدفاع عن الحقوق والحريات المدنية”. 

  

البيان الختامي 

ختاماً، القى صبلوح البيان الختامي المشترك والموقع من: أكتيف ليبانون Active Lebanon ، المفكرة القانونية، المركز اللبناني لحقوق الإنسان، جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات العربية المتحدة، جمعية عدل ورحمة – AJEM، جمعية شمس بيروت، هيومن رايتس ووتش، مؤسسة الكرامة، مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان (JHR)، منّا لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، مركز سيسفاير لحقوق المدنيين، مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، ونقابة المحامين في طرابلس، وجاء فيه: “في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، نحن المنظمات الموقعة أدناه، ندعو السلطات اللبنانية إلى تأمين حماية فعالة لكل فرد على أراضيها بمن فيهم المحتجزين، وذلك من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. على السلطات التحقيق في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، ويجب مقاضاة مرتكبي هذه الأفعال وتقديمهم للمحاكمة، وفي حالة إدانتهم الحكم عليهم بعقوبات مناسبة. 

صادق لبنان في عام 2000 على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (يشار إليها فيما يلي باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب)، وبروتوكولها الاختياري في عام 2008. في 19 أيلول/سبتمبر 2017 ،. أقر مجلس النواب اللبناني القانون رقم 65/2017 الذي يجرم التعذيب (يشار إليه فيما يلي بقانون معاقبة التعذيب)، وفي تموز/يوليو 2019 ، عينت الحكومة الأعضاء الخمسة في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب. في 2020 ، عدل البرلمان المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية للسماح بشكل صريح للمحامين بالتواجد مع المحتجزين أثناء استجوابهم الأولي لدى الأجهزة الأمنية. 

بينما عزز لبنان نظرياً تدابير الحماية ضد التعذيب، يظل التعذيب سائداً في الممارسة العملية. نادراً ما تصل الشكاوى إلى المحكمة، وتُغلق معظم القضايا دون تحقيق فعال. 

قانون معاقبة التعذيب نفسه لا يفي بالتزامات لبنان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ينص القانون على مرور الزمن على جريمة التعذيب من 3 إلى 10 سنوات وتبدأ المهلة عند خروج الضحية من السجن أو الإعتقال أو التوقيف المؤقت، بما يتعارض مع المعايير الدولية التي تنص على أنه لا ينبغي أن يكون هناك مرور زمن على جريمة التعذيب. بالإضافة إلى ذلك، فإن مواد القانون لا تعكس بشكل كافٍ الطبيعة الخطيرة لجريمة التعذيب. ولا يجرم القانون المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المحظورة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ولا يحظر صراحة إحالة شكاوى التعذيب إلى المحاكم العسكرية، والتي وجدت منظمات حقوق الإنسان أنها لا تحترم الحق في محاكمة عادلة وتفتقر إلى الاستقلالية. 

لم يتم بعد تخصيص ميزانية للآلية الوقائية الوطنية حتى تتمكن من بدء عملها، والمكلفة بمراقبة تنفيذ قانون معاقبة التعذيب والتي لديها سلطة القيام بزيارات منتظمة ومفاجئة إلى جميع أماكن الاحتجاز. 

بالإضافة إلى ذلك، وثّقت منظمات حقوقية في لبنان تقاعساً متكرراً للأجهزة الأمنية والقضاء عن إنفاذ قانون معاقبة التعذيب ومواد قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تهدف إلى حماية حقوق المحتجزين. 

على سبيل المثال، تقاعست السلطات القضائية اللبنانية عن التحقيق بشكل كافٍ في مزاعم التعذيب الجسيمة التي أدلى بها حسان الضيقة قبل وفاته في الحجز في 11 أيار/ مايو 2019 ، وانتهكت أحكام قانون معاقبة التعذيب بتكليف نفس الجهاز الأمني بالتحقيق في إدعاءاته والذي اتهمه بتعذيبه. وبالمثل، لم تتخذ السلطات القضائية حتى الآن أي إجراء جاد للتحقيق في المزاعم الموثوقة للتعذيب والاختفاء القسري التي قدمها الممثل زياد عيتاني – المتهم بالتجسس لصالح إسرائيل ولكن أسقطت التهم ضده لاحقاً – ضد عناصر من أمن الدولة. 

في كانون الأول 2019، وبعد تقديم 17 متظاهراً من تظاهرات 17 تشرين الأول شكاوى تعذيب، أحال النائب العام التمييزي الشكاوى إلى النيابة العامة العسكرية، وهي هيئة قضائية استثنائية غير محايدة. لم تجرِ النيابة العسكرية تحقيقات في الشكاوى، بل أحالتها للتحقيق إلى الأجهزة الأمنية المشتبه بارتكابهم أعمال تعذيب في انتهاك واضح لقانون معاقبة التعذيب. ولدى رفض المدعين الإدلاء بشهاداتهم للأجهزة الأمنية، قررت النيابة العامة العسكرية إغلاق التحقيقات دون اتخاذ أي إجراء آخر، في انتهاك واضح لوجوب التحقيق في شكاوى التعذيب والمنصوص عليها في المادة 12 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. 

بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما انتهكت الأجهزة الأمنية المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وحرمت المحتجزين من حق حضور محام أثناء استجوابهم، وفي بعض الحالات عرضت هؤلاء المحتجزين للعنف الجسدي. 

وبدلاً من التحقيق بجدية في مزاعم التعذيب ومحاسبة المسؤولين، عرّضت السلطات المحامين والنشطاء للانتقام لفضحهم التعذيب. 

أبرز مثال على ذلك قضية محمد صبلوح، المحامي المسجل لدى نقابة المحامين في طرابلس، والذي يمثل ضحايا التعذيب والاعتقال التعسفي. تعرض صبلوح للتهديد والمضايقة من قبل كل من المديرية العامة للأمن العام والنيابة العامة العسكرية على خلفية عمله. 

في 28 أيلول 2021، بعد أن قدم شكوى نيابة عن موكله بشأن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة بموجب قانون معاقبة التعذيب، طلبت النيابة العامة العسكرية من نقابة المحامين في طرابلس رفع الحصانة عن المحامي صبلوح حتى تتمكن من محاكمته بتهم تتعلق باختلاق المعلومات. رفضت نقابة المحامين في طرابلس هذا الطلب. 

بعد زيارتها الثانية إلى لبنان في أيار 2022، أعربت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن مخاوفها بشأن التقدم الضئيل في مجال منع التعذيب. وسلط الخبراء الضوء على المشاكل المستمرة المتمثلة في طول فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة، والاكتظاظ، والظروف المزرية في مراكز الاحتجاز. 

إزاء كل ما تقدم، نطالب السلطات اللبنانية بـ: 

– ضمان إجراء تحقيقات فورية ومستقلة ونزيهة وفعالة في شكاوى التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة؛ 

– إحالة جميع قضايا التعذيب إلى المحاكم العدلية كما نصت على ذلك المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وضمان حق جميع الأطراف في محاكمة مستقلة وعادلة وشفافة؛ 

– ضمان من أن جميع المحتجزين بإمكانهم الاستعانة بمحامٍ أثناء استجوابهم الأولي لدى الأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع تعديلات المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ 

– تبني قانون يضمن استقلال القضاء وفق المعايير الدولية؛ 

– ضمان أن الضحايا يمكنهم تقديم شكاوى التعذيب وسوء المعاملة دون خوف من الانتقام، والتوقف عن مضايقة المحامين الذين يكشفون عن أعمال التعذيب بما يتماشى مع الفقرة 16 من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين والمادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب؛ 

– تعديل قانون معاقبة التعذيب بما يتماشى مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب؛ 

– تخصيص ميزانية كافية وإصدار المراسيم الحكومية الضرورية للسماح للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، بالوفاء بمهامها؛ 

– نشر التقارير السرية التي تحيلها لجنة الأمم المتحدة الفرعية لمنع التعذيب إلى لبنان؛ 

– تقديم التقرير الدوري الثاني للبنان إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والذي تأخر تقديمه منذ أيار 2021 ، وقبول طلب المقرر الخاص المعني بالتعذيب في الأمم المتحدة بزيارة لبنان والمعلق منذ شباط 2017. 

– الاعتراف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في تلقي الشكاوى الفردية المقدمة من الضحايا والنظر فيه، على النحو المنصوص عليه في المادة 22 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. 


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal