الشعر العربي المعاصر من منظور إيكولوجي للدكتورة زهيدة درويش جبور

صدر للدكتورة زهيدة درويش جبور الأمينة العامة السابقة للجنة الوطنية لليونسكو كتاب جديد بعنوان “الشعر العربي المعاصر من منظور إيكولوجي”، وذلك عن دار جرّوس برس ناشرون، وفيه تدرس نتاج إثني عشر شاعراً من مختلف البلدان العربية، مسلّطة الضوء على كيفية تعامل الشعراء العرب المعاصرين مع الطبيعة وعلى المساحة التي تحتلها في نتاجهم ليس كمجرد مادة موضوعية بل كحضور حيّ يحاوره الشاعر ويدخل في علاقة تفاعل معه. وقد توسّلت الباحثة لذلك منهج النقد الإيكولوجي الذي يهدف إضافة إلى الكشف عن البُعد الجمالي في النصوص الأدبية، إلى جلاء موقف الأديب من قضايا وإشكاليات تتعلق بالبيئة، وإلى التنبيه إلى الأضرار الناتجة عن اختلال العلاقة بين الإنسان ومحيطه الطبيعي، وعن الانعكاسات السلبية للتطور التكنولوجي حين لا يواكبه تطور على مستوى القيم الإنسانية والروحية.

من الاستنتاجات التي توصّلت اليها الكاتبة في هذه الدراسة أن مختلف الأعمال الشعرية التي درستها “تقوم على الحدس بوحدة الكائنات وعلى التوق لاستعادة التناغم المفقود بينها، وترتكز على قناعة بأن الإنسان إنما هو جزء من هذا الكون ووجه من وجوه لا حصر لها لتجليات تلك الطاقة الخفية الكامنة في النبات والحيوان بل والجماد. مما يضفي على التجارب الشعرية المختلفة بُعداً روحانياً وقيَمياً يتكامل مع ما تختزنه من سمات جمالية ترقى بها على سلم الإبداع الفني”.

فلا غرابة إذن أن تتسم نظرة الشعراء عموماً إلى العالم المعاصر بالسوداوية، وأن تكشف عن وعي حزين يولّده تفاقم النزعات العنصرية، ومظاهر العنف والتطرّف، ومشاهد الحروب ومواكب المهاجرين على قوارب الموت هاربين من الفقر والجوع والإذلال. فالشاعر لا يعيش في برج عاجي، وهو ليس مجرد شاهد على معاناة البشر من حوله، بل يختزنها في وجدانه فتتحول إلى طاقة لتوليد الإحساس الفني، وتجاوز الواقع لا بل تغييره. كما أن القصيدة من منظور النقد البيئي ليست كياناً مغلقاً على ذاته، بل هي تحيلنا إلى تجربة تعيشها ذات المبدع بما تحمله من تأثيرات عوامل ثقافية ونفسية واجتماعية متعددة.

وفي تساؤلها حول مستقبل هذا النقد الحديث ترى الدكتورة زهيدة درويش جبور “أن النقد الإيكولوجي الذي نشأ نتيجة لوعي المشكلات البيئية الراهنة، والذي يرتكز على عدم الفصل بين الإنسان ومحيطه الطبيعي، وبين الثقافة والطبيعة، يُسهم إلى حدٍ بعيد في تشكيل وعي جديد متحرّر من العقلانية الفجّة، يعيد الإنسان إلى موقعه الطبيعي في هذا الكون، كحارس وحارث له، مؤتمنٍ عليه، مسهمٍ في نموه وفي الإستفادة من عناصره بطريقة مستدامة. وهو يندرج في سياق توجهات ثقافية جديدة ظهرت في كثير من الأوساط العلمية والفلسفية والفنية والأدبية، تعبّر عن موقف نقدي من مركزية العقلانية الغربية وتؤكد على الحاجة الماسّة لربط التطور التكنولوجي والعلمي بالأخلاقيات، ولبلورة رؤيا للإنسان والعالم تأخذ بعين الاعتبار العلاقات المركَّبة بينهما”.

كتاب يعتمد منهجية جديدة في التحليل، وهو من دون شك سيغني المكتبة العربية باعتمادة نقداً حديثاً بدأ يشقّ طريقه منذ سنوات قليلة في الدراسات الأكاديمية في كل من أميركا وأوروبا.

د. زهيدة درويش جبور

*أستاذة الأدب الفرنسي والفرنكفوني في الجامعة اللبنانية، أمينة عامة سابقة للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو.

*ناقدة أدبية، لها العديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، من بينها : “التاريخ والتجربة في “الكتاب” لأدونيس”؛ “الشعر والكشف في أعمال ناديا تويني الشعرية”؛ “دراسات في الشعر اللبناني الفرنكفوني”؛ “الفرنكفونية في مساراتها المتعددة”؛ “الأدب الفرنكفوني في الشرق الأوسط (مصر، لبنان، سوريا)”؛ “إضاءات في الأدب والفكر والثقافة”. كما لها العديد من الكتب المترجمة.

Post Author: SafirAlChamal