رعى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الحفل الذي دعا اليه وزير الثقافة محمد مرتض لوضع حجر الاساس لمشروع بناء “متحف بيروت للفن”(بِمَا) بالتعاون مع جامعة القديس يوسف و”جمعية متحف بيروت للفن”(بِمَا).
أقيم الحفل قبل ظهر اليوم في الموقع الذي سيشيد عليه المتحف قرب جامعة القديس يوسف في بيروت بحضور وزراء الثقافة محمد مرتضى، والشؤون الاجتماعية هكتور حجار،والمهجرين عصام شرف الدين، وسفراء وشخصيات.
وألقى الرئيس ميقاتي كلمة قال فيها: “رب سائل هل من مكان للفرح في هذه الأيام الصعبة؟ بالتأكيد فنحن فرحون اليوم بهذه المناسبة، وبأن هناك عناوين عدة لوقفتنا .العنوان الأول هو هذا المكان الذي يعني الكثير للبنانيين، فنحن على بعد أمتار من المتحف الوطني الذي يدل على تاريخنا، والذي مر بمشكلات كثيرة لكننا كنا ننهض دائماً بإذن الله.والمكان أيضاً يعني بأننا موجودون على طريق كانت تُسمى خلال الحرب”خطوط التماس” ولا تزال في ذاكرتنا، لكن اللبنانيين أكدوا أنهم لا يقبلون بأي تفرقة، كما لا يقبلون الا أن يكونوا موحدين”.
وقال: “في هذا المكان بالذات، تذكرتُ طفولتي حيث شيدت اول “مدينة للملاهي” على هذه الأرض، وأتذكر كم كنا نفرح هنا، واليوم زاد فرحي بوجود هذا المشروع الذي سيقدم للناس الفرح من خلال الفن والثقافة التي لا لون لها ولا جنس ولا طائفة ولا مذهب. يُقال “مَن أوتي الحكمة أوتي كل شيء”، لكن قبل الحكمة يجب أن يكون لدى المرء الثقافة، وبالتالي هذه هي الطريق الطبيعية لكي نكون حكماء. وبقدر ما نستطيع زيادة هذه الانماط من الثقافة والتعاون، يكون للبنانيين فرح كبير جداً”.
وأضاف: “للثقافة في لبنان دور رئيسي في ارساء حوار جامع بين كل الطوائف والمكوّنات اللبنانية، من أجل صون تاريخنا المشترك والخفاظ على هويتنا الوطنية وانتمائنا لهذا البلد. لا إستقامة ولا نجاح للتنمية إلاّ من خلال سياسة ثقافية تطال كلّ نواحي الحياة الاجتماعية السياسية الاعلامية والبيئية”.
أضاف: “إن التعاون القائم بين وزارة الثقافة و”جمعية متحف بيروت للفن”بِمَا”وجامعة القديس يوسف والقطاعين العام والخاص، هو تعاون ممتاز نتمنى أن ينمو ويكبر، كما نحن على أتم الإستعداد للتعاون أيضاً في كل القطاعات خصوصاً الثقافية. أتمنى أن يبقى الفرح قائماً عندنا وأن نفتتح المزيد من هذه المعارض، رغم كل المآسي التي نمر بها. أهنئكم على هذه الخطوة وآمل ان توفقوا في الاسراع في الخطوات التنفيذية لانجاز البناء. وفقكم الله.
وزير الثقافة
وتطرق وزير الثقافة محمد مرتض في بداية كلمته الى ماهية فن الرسم. وقال :” قبل أن يدرك الإنسان الأول روحَه أدركَ شكل جسده، وقبل أن يفقه معنى الألوهة الحقّة فقهه صورة وثن، وقبل أن يعرف الحرفَ نبرة عرَفَه رسم مثال، هكذا استهلت الإنسانية ديوان معرفتها لذاتها ومحيطها بالصورة والشكل واللون، قبل القلم والحبر والكتاب، بل قبل أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير البدائي أو الراقي، حتى ليمكن القول إنَّ الرسم أبو الفنون الجميلة كلِّها، سواء اعتمد فيه اللون أو الإزميل أو الخشب أو القماش أو الحجر”.
أضاف: “ميزة هذا الفن أنه، عندما ينقل الصورةَ يعيد تشكيلَها من جديد فلا تبقى كما هي. حتى اللوحةُ التي تحتوي على منظر طبيعي، تكون مختلفة حتماً عن أصل مشهدها مهما بلغت درجةُ الأمانة في تصويرها، ذلك لأن الروح التي تسري من الأنامل إلى الريشة تبث في اللوحة حياة تخرِجها من الجماد المحض إلى الرونقِ المحض. الحقيقةُ أن الفنَ كلَّه في عمقِ مغزاه إعادة تشكيل للكون والكائنات. وأثمن ما فيه أنه يسمر اللحظة الهاربة ويحبسها في إطارٍ ذي شكل وقياس، فيجعل الماضيَ جار المستقبل، ويمنح اليوم المكتومَ وقتُه جنسية العصور التي تخلِّد الحضارات”.
واستطرد: “من هذا المنطلق شاء لبنان أن يكون له متحف متخصص بعرض إبداعات الفن التشكيلي، تحفظُ جدرانُه ذاكرةَ الألوان، وتتلقف أرجاؤه المنجزات الإبداعية اللبنانية في هذا الفن الجميل. وليس وطنُنا في كنهه سوى متحف واسعٍ لجمالات من صنع الطبيعة والإنسان، راكمتها الأزمنةُ وارتقى بها الفنانون. وإن الجائل في أرجائه لَواجد حيثما التفَتَ ميراث جمالٍ متحفزٍ لأن يصير لوحةً على ريشة رسام، أو قصيدة على قلم شاعر، أو أغنية على حنجرة مطرب. وهذا هو الغنى الحقيقي الذي تكتنزه بلادنا، وإليه ينبغي لنا أن نعودَ كلما ادلهمت في فضائنا الأحوال، كما هي حال يومنا”.
وقال :”على السياسيين أجمعين، والمواطنين مقيمين ومغتربين، أن يتشبثوا دائمًا بهذه الهوية اللبنانية الجمالية، التي أُعطيَ لوزارة الثقافة أن تكون منها ولها وبها، فإنَ خلاصَنا مما نحن فيه يكمن في العودة إلى قيم الحق والخير والجمال التي اتخذَت عندَنا مقامًا لها مختارًا من الله تعالى. والمسؤوليةُ الكبرى التي تقع على من يتولّى الشأن العام في الحكم والمعارضة على السواء أن يأتمَّ بهذه القيم ويجعلَها له منارةَ هدايةٍ إلى شاطئ الأمن والاستقرار والسلام”.
وختم قائلاً: “برعاية دولة الرئيس وحضوره وضعنا حجر الأساس لمبنى متحف الفن التشكيلي الذي نأمل أن يكتمل بناؤه ونفتتحَه من دون تأخير. لكن لنتذكَّرْ على الدوام أنَّ أعمال الفنانين وإبداعاتِهم ستبقى وحدها الحجر الذي سيكون رأس الزاوية في هذا المعلمِ الثقافي”.
جامعة القدّيس يوسف
وقال رئيس جامعة القدّيس يوسف البروفسور سليم دكّاش في كلمته: “هذا المتحف الذي سوف يركّز على إبراز وجه لبنان الثقافيّ والحضاريّ والذي استغرق الإعداد المادّيّ والمعماريّ له سنوات طوال وجهودًا متعدّدة، وتكاتف فيها الكثيرون من ذوي الإرادات الطيّبة، هذا المتحف أردناه فعل إرادة جامعة من مختلف الجماعات اللبنانيّة ونريده، كما الجامعة اليسوعيّة، أرضًا جامعة ومكانًا يزوره ويلتقي فيه جميع محبّي الفنّ اللبنانيّ والعالميّ الأصيل من أي جهة كانوا. وعندما وافق مجلس جامعتنا على إعطاء أرض من الجامعة لبناء هذا المتحف، فهو قد استوحى قراره من شرعة الجامعة التي وُضِعَت في السنة 1975، وهي تتحدّث عن الرسالة الثقافيّة للجامعة بأن تكون مبدعة ومؤسّسة للهويّة الثقافيّة اللبنانيّة المتشكّلة من التعدّديّة اللبنانيّة ومن الروح الجامعة لها، وفي الوقت عينه ، من الانتماء إلى الكيان اللبنانيّ، لا إلى أحدٍ غيره، والجامعة مدعوّة، مع الجامعات الأخرى، إلى تكوين الشخصيّة الثقافيّة اللبنانيّة الرياديّة الجامعة والدفاع عن الكيان وتدعيم بنيانه”.
اضاف: “هذا المتحف أردناه ثانية فعل مقاومة يأخذ كلّ معناه في الحالة اللبنانيّة المأزومة التي شكّلت وتشكّل الخطر الداهم على الثقافة في لبنان بمختلف قطاعاتها المدرسيّة والجامعيّة والفنيّة والأدبيّة والعلميّة. وهذا الفعل، فعل المقاومة هو فعل مقاومة في مواجهة الجهل والتخلّف وفعل رفض لتهديد التعدّديّة والحريّات. إنّه فعل مقاومة ضدّ التطرّف والعنف، أكان ماديًّا أم معنويًّا، لكمّ الأصوات وخنق الريشة المبدعة الخلاّقة التي ترسم لوحات معاناة الإنسانيّة وتنحت الصخر والحديد فتخرج منهما التماثيل الحيّة التي تقول إنّ التاريخ اللبنانيّ هو فعل مقاومة لما يهدّد مقوّمات استمراريّة الشخصّية اللبنانيّة المتميّزة الفذّة.
وهذا المتحف هو فعل شراكة حقيقيّة بين القطاع الخاصّ والقطاع العامّ بحيث تشاركت مجموعة من الشخصيّات اللبنانيّة في الوطن وفي الانتشار وأصدقاء لهم لكي يوظّفوا عاطفتهم وأحاسيسهم وقناعاتهم ومحبّتهم للفنّ والرسم واللوحة، وكذلك إمكاناتهم الماديّة لبناء المتحف، متحف بيروت الفنّي بصياغة معماريّة رؤيويّة وضعت تفاصيلها ومجسّمها من نيويورك البروفسورة آمال أندراوس. ونقول القطاع العامّ إذ إنّ المجموعة الفنيّة الأساسيّة التي سوف تُعرَض في المتحف هي مجموعة وزارة الثقافة والدولة اللبنانيّة، وقدّ تمّ تجديدها وترميمها عندما وجب ذلك من قِبل (بِمَا) والتأييد الألمانيّ، وكذلك تتوّج هذه المجموعة كبار الأعمال التشكيليّة لأهمّ الفنّانين اللبنانيين من مختلف المدارس والعصور. وهكذا، ومع مجموعات خاصّة أخرى، سوف تتألّق أعمال كبار التشكيليين في ردهات المتحف وقاعاته. وهذا المتحف سيكون بالتالي مدرسة يؤمّها التلامذة والطلاّب من كلّ المناطق والمشارب لا فقط للتعرّف إلى الأعمال التشكيليّة المعروضة في المتحف بل لمتابعة الدروس على يد الفنّانين المبدعين المعاصرين الذين سوف يعطون دروسًا بغية تنشئة جيل جديد من الفنّانين التشكيليين الذين سوف يجدّدون بفنّهم صيغة لبنان، لبنان الوحدة والسلام والعدالة والحريّات”.
جمعية متحف بيروت للفن”
وقال رئيس “جمعية متحف بيروت للفن”(بِمَا) جوزيف صدّي: “ليس صدفة ان نختار هذا التوقيت بالذات لوضع الحجر الاساس لهذا الصرح الثقافي الذي اردناه مساحة لقاء وحوارعابر للثقافات ومنصة وعلم وعمل وثقافة، وتطلع الى مستقبل إيجابي زاهر وارث حضاري للأجيال المقبلة. وهو ليس فعل مقاومة وصمود للبنان المنفتح فقط، بل هو مشروع يتحدى العنف والتشاؤم والاحباط من باب الثقافة التي هي في حد ذاتها رصيد وذخيرة استراتيجية لبناء مجتمعات اكثر انفتاحا وابداعا واستعادة”.
وختم: “تؤمن جمعيتنا بأن الثقافة هي روح المدينة ونبضها وهي منصة واداة للتطور وبناء المستقبل، فالثقافة هي اساسية لحفظ الماضي والهوية والتراث من النسيان”.
Related Posts