أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، في الكلمة التي القاها في افتتاح أعمال الدورة الثانية والثلاثين لمؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في القاهرة، “أن لبنان متمسك بإجراء الإنتخابات وإنجازها بكل شفافية بعيدا من أي ضغوط ويرفض رفضا مطلقا أي محاولة لتأجيلها”، موجها “الدعوة للاتحاد البرلماني العربي الى المشاركة من خلال لجنة يشكلها للإشراف على العملية الإنتخابية”، ومؤكدا “حرص لبنان على بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب، كل العرب، على قواعد الإحترام المتبادل لإستقلال وسيادة الدول وأمنها وإستقرارها وإستقلالها”. وجدد التأكيد على “تمسك لبنان والتزامه تطبيق واحد من منجزات التضامن العربي وهو إتفاق الطائف كإطار ناظم للعلاقات بين اللبنانيين”.
وأعلن الرئيس بري “دعم لبنان وتأييده لكافة مساعي الحوار القائم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية عراقية”، آملا في “أن يفضي هذا الحوار الى نتائج إيجابية لما فيه مصلحة البلدين ومن خلالهما مصلحة الأمتين العربية والإسلامية وشعوب المنطقة”.
وفي الشأن العربي، شدد الرئيس بري على “وجوب عودة سوريا الى موقعها ودورها في النظام الرسمي العربي”، معتبرا أن “العروبة تبقى منقوصة ومنتقصة من دون سوريا التي كانت وستبقى من حيث الموقع والدور والإستراتيجيا ممرا إلزاميا لتحقيق التضامن العربي وعنصرا إيجابيا فيه”، لافتا الى أن “صورة الحرائق المندلعة في الثوب العربي على تخوم كل أقطارنا تارة بصراعات جهوية وتارة أخرى بنزاعات بينية وأطوارا باحتراب داخلي أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية مقيتة، باتت تستدعي تقديم مقاربات لقضايانا وللتحديات والمخاطر التي تحدق بنا جميعا من دون استثناء”، داعيا “الجميع الى التقاط فرصة الإستثمار على الوحدة وعلى صياغة عقد جديد من التضامن والتعاون العربي المشترك في مختلف المجالات بخاصة في المجال الأمني في مواجهة أي محاولة لإعادة انتاج المشروع الإرهابي التكفيري بفكره الظلامي التدميري المسيء والمشوه للقيم الإسلامية”.
وفي الشأن الفلسطيني أكد الرئيس بري “ان مقياس الإنتماء للعروبة وللإسلام وللمسيحية وللانسانية هي فلسطين”.
نص الكلمة
وفي ما يلي نص كلمة الرئيس بري في المؤتمر:
“سعادة رئيس الإتحاد البرلماني العربي
الزملاء أصحاب الدولة والسيادة والسعادة.
الحضور جميعا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من إقرأ باسم ربك الذي خلق
من لدن بسم الله الرحمن الرحيم :
“قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بايآتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون” صدق الله العظيم.
من وحي التعاضد والتآزر وما يعكسه كلام رب السماوات والأرض رب العالمين من دعوة دائمة للتضامن والشكر ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق.
منه أبدأ، بإسم لبنان واللبنانيين كل الشكر للأشقاء العرب كل العرب من المحيط آلى الخليج ومن خلالهم الشكر موصول لمصر… هبة الله وهبة النيل لوقوفهم في كافة المراحل والحقبات والملمات الصعبة دعما ومؤازرة للبنان في مختلف المجالات من أجل تمكينه لصنع قيامته وترسيخ سلمه الأهلي ودعم صموده ونهوضه ومقاومته وصون إنجازاته وآخر أشكال هذه المؤازرة والتضامن والدعم الذي تجلى ولم يزل بأبهى صورة أخوة صادقة… وإنسانية راقية منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 وهو مستمر جسرا وطيدا من مصر حتى الأمس القريب.
كما أجدد الشكر والتحية والثناء للمساعي الحميدة والسعي الدؤوب الذي بذله ولا يزال سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم أسس العمل العربي المشترك وتمتين أواصر الأخوة العربية.
هي مصر… هي العروبة… هي قلبنا… هي فينا… ونحن بها… هي كما النيل يسير بنا ويسري في عروقنا كما الدم… هي ملء الكنانة من كفيك يا نيل…
شكرا لمصر لشعبها الطيب لمجلسها النيابي على إستضافته أعمال مؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في دورته الثانية والثلاثين تحت عنوان التضامن العربي في ربوع قاهرة المعز.
الزملاء الأعزاء..
إنطلاقا من صورة المشهد العربي على طول مساحته الجغرافية أقولها بكل صراحة وشفافية وإعذروني سلفا إذا ما كانت الصراحة في هذا المقام جارحة، إلا أن المرحلة لم تعد تحتمل إلا قول الحقيقة ومصارحة شعوبنا والوقت لا يسير لصالحنا والظرف في الزمان والمكان يستدعي تقديم مقاربات لقضايانا وللتحديات والمخاطر التي تحدق بنا جميعا من دون إستثناء، أن المشهد العربي سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وصحيا واستراتيجيا ربما تحضر فيه كل الأشياء المفيدة لكل قطر على حدة، وأيضا تحضر الكثير من الأشياء والعناوين التي تهدد أمننا القومي وتسيء إلى هويتنا العربية وإلى تراثنا ولغتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا والأخطر تسيء لقيم الإسلام الأصيل وكل الرسالات السماوية السمحاء.
نعم للأسف تحضر كل تلك الأشياء ويغيب شيء محوري وأساسي في صيرورة وجودنا وتألقنا واستقرارنا ومنعتنا في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، يغيب أو يغيب التضامن العربي، تغيب أو تغيب الوحدة في الموقف والرؤى والرؤية حيال قضايانا المصيرية ومصالحنا المشتركة ومصيرنا الواحد.
إن صورة الحرائق المندلعة في الثوب العربي على تخوم كل أقطارنا تارة بصراعات جهوية وتارة أخرى بنزاعات بينية وأطوارا باحتراب داخلي أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية مقيتة. كلها حرائق يؤجج نيرانها الخارج على قاعدة “فرق تسد”.
مخطىء كل الخطأ من يعتقد أن عدم تطويق هذه الحرائق وعلى هذا النحو من الإنتشار السريع في هشيم انقساماتنا وتشظينا على محاور الإنقسام الطائفي والمذهبي والجهوي والمناطقي يمكن أن يسلم منه قطر من أقطارنا ولا يمكن ان نسلم جميعا.
أيها السادة، هي لحظة، الجميع مدعوون فيها الى التقاط فرصة الإستثمار على الوحدة وعلى صياغة عقد جديد من التضامن والتعاون العربي المشترك في مختلف المجالات خاصة في المجال الأمني في مواجهة أي محاولة لإعادة انتاج المشروع الإرهابي التكفيري بفكره الظلامي التدميري المسيء والمشوه للقيم الإسلامية.
وآخر نموذج لإعادة انتاج هذا المشروع هو ما حصل في الأسبوعين الماضيين في محافظة الحسكة السورية ناهيك عن جملة من العمليات الإرهابية التي استهدفت القوات العراقية في عدد من المحافظات في العراق الشقيق، فضلا عما يتم تسجيله من عمليات تجنيد لعشرات الشبان وتأطيرهم في خلايا من لبنان وغير لبنان خدمة لهذا المشروع الإرهابي المدمر والعابر للحدود.
أيها المؤتمرون،
يضاف الى ما تقدم من عناوين، ثمة عناوين أخرى هي دائما من الأهداف الإستراتيجية لعمل الإتحاد البرلماني العربي من بينها موضوع إشراك المرأة في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع وتعزيز دور الشباب وإعادة إحياء السوق العربية المشتركة التي انشأناها قبل السوق الاوروبية المشتركة، والتنمية المستدامة والعدالة الإجتماعية.
ويبقى الهدف الإستراتيجي الأسمى والذي يجب أن يتقدم على كل الأولويات هو القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى فإذا كانت في ما مضى تستلزم تضامنا عربيا ملحا فهي اليوم وإزاء ما يتهدد أولى القبلتين ومسرى النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم وقبة الصخرة وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى من محاولات ومخططات تهويدية وتوسعة لرقع الإستيطان على نحو غير مسبوق، فضلا عما يحصل من حملات إعدام يومي للأطفال وللشبان في مدن ومخيمات الضفة وما يحصل من تجريف للبيوت ومحاولات لا تتوقف للإستيلاء على حي الشيخ جراح وحصار مستمر لقطاع غزة واستمرار للإعتقال التعسفي لعشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من بينهم مئات الأطفال والفتيات والنساء والأخطر والأدهى إجهاض حق الشعب الفلسطيني بالعودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هي اليوم تستلزم تضامنا عربيا استثنائيا ليس على النحو الذي هو حاصل اليوم.
إن مقاييس انتمائنا للعروبة وللإسلام وللمسيحية وللإنسانية هي فلسطين والإنتصار لقضيتها في التحرير والعودة وإقامة الدولة المستقلة وبالتوازي نناشد الأخوة الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم الفصائلية الى وجوب تنحية الخلافات جانبا وتصليب الوحدة الفلسطينية باعتبارها حجر الزاوية الذي على أساسه يتحقق الحلم الفلسطيني لا بل الحلم العربي بكل عناوينه الوحدة والمقاومة هما كلمة سر انتصار وتحرير فلسطين.
وعليه وبناء على ما تقدم وإستنادا على المبادىء التي ينطلق الإتحاد البرلماني العربي كإرادة برلمانية عربية لدعم وحدة العمل البرلماني العربي في خدمة المجتمع العربي لتحقيق التقدم والسلام بين الأقطار العربية وباعتباره صيغة وإطارا عربيا متحررا من ضرورات الحكومات احيانا ومن التزامات الأنظمة ومعبرا الى حد كبير عن تطلعات الشعوب والمجتمعات في الحرية وتعزيز قيم التضامن والحوار والديموقراطية.
أرى أن الإتحاد مدعو الى عدم التلكؤ في صياغة مشروع حقيقي لبناء صيغة تحقق التضامن العربي فعلا لا قولا، ممارسة لا شعارا، من خلال تفعيل الدبلوماسية البرلمانية بكل أشكالها على مختلف المستويات واللجان.
أيها المؤتمرون، الزميلات والزملاء الأعزاء
في الختام اسمحوا لي من موقع تمثيلي البرلماني للشعبة البرلمانية اللبنانية وكدولة مؤسسة لجامعة الدول العربية ومؤسسة للإتحاد البرلماني العربي وعضو أساسي لواضعي شرعة حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة وأول ديموقراطية في العالم وأول مدرسة للحقوق وطليعة الدول التي تبنت قضايا العرب وبالرغم من الظروف الراهنة التي تعصف بهذا البلد الذي أحبه العرب كل العرب وأحب العرب كل العرب، بادلوه الوفاء ويبادلهم الوفاء يهمني في الختام أن أؤكد جملة من الثوابت حتى لا يثار الشك حول لبنان واللبنانيين:
أولا: ان لبنان واللبنانيين يفصلهم عن موعد الإنتخابات التشريعية أقل من ثلاثة أشهر سوف نتمسك ومتمسكون بإجراء الإنتخابات وإنجاز هذا الإستحقاق بكل شفافية وبعيدا من أي ضغوط ونرفض رفضا مطلقا أي محاولة لتأجيل هذا الإستحقاق. وعليه ندعو الإتحاد البرلماني العربي الى المشاركة من خلال لجنة يشكلها للإشراف على العملية الإنتخابية.
ثانيا: نؤكد من موقعنا البرلماني والسياسي حرص لبنان على بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب كل العرب على قواعد الإحترام المتبادل لإستقلال وسيادة الدول وأمنها واستقرارها واستقلالها وحريتها المقدسة.
ثالثا: نجدد التأكيد على تمسك لبنان والتزامه بتطبيق واحد من منجزات التضامن العربي وهو اتفاق الطائف كإطار ناظم للعلاقات بين اللبنانيين.
رابعا: نعلن عن دعمنا وتأييدنا لكافة مساعي الحوار القائم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية عراقية مشكورة، آملين أن يفضي هذا الحوار الى نتائج إيجابية لما فيه مصلحة البلدين وأكثر ومن خلالهما مصلحة الأمتين العربية والإسلامية وشعوب المنطقة.
خامسا: نعلن دعمنا المطلق لوجوب عودة سوريا الى موقعها ودورها في النظام الرسمي العربي، فالعروبة تبقى منقوصة ومنتقصة من دون سوريا التي كانت وستبقى من حيث الموقع والدور والإستراتيجيا ممرا إلزاميا لتحقيق التضامن العربي وعنصرا إيجابيا فيه.
أيها المؤتمرون،
أتمنى لأعمال المؤتمر التوفيق والسداد في تحقيق الأهداف في التضامن والحوار والوحدة، وأن لا نكون في القول والعمل لا سمح الله مصداقا للآية الكريمة: “بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”، إنما عهدنا وأملنا أن نكون جسدا واحدا كالبنيان المرصوص اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
Related Posts