لكي يبقى الوطن!… حسناء سعادة

في جلسة نقاش مفتوحة، في احد صالونات مدينة طرابلس في منزل احدى الصديقات الاعلاميات، تمحورت الاحاديث حول تفضيل الهجرة او البقاء والصمود في الوطن وتحدي كل العواصف التي هبت بوجهنا دفعة واحدة.

تضاربت الاراء بين من يقول ان تراب الارض اغلى من ذهب العالم كله، وان ما يجري اليوم شدة وتزول.. وبين من يرى ان الوطن يستحق كل التضحيات فهو البيت والعرض ومسقط الرأس والمثوى الاخير.. فيما دافع اخرون عن نظرتهم لهذا الموضوع والتي تقول ان الوطن حيث تشعر ان كرامتك مصانة وحقوقك محفوظة والا الهجرة افضل، ليستنتج البعض ان العلة ليست بالوطن بل بالطبقة الحاكمة.

سئلت في خضم الحديث المتشعب عن رأيي في الموضوع، والجميع يعلم مدى تعلقي بوطني وارضي وبيتي واصدقائي وناسي فكان جوابي المفاجىء:

ـ عن اي وطن تتحدثون أعن الوطن الذي نهان فيه مئات المرات يومياً في شتى مجالات حياتنا، ام عن الوطن الذي معظم شبابنا وشاباتنا يحلمون بالعيش خارجه وليس على ارضه المستباحة من السفارات الاجنبية والعربية ومن مخابرات اصغر دولة الى اكبرها، ام عن الوطن الذي لم يعد فيه اي قيمة للدكتور والمهندس والجامعي والاستاذ وغيرهم من الذين لم يعد لديهم المستوى المعيشي المقبول وبات من نهب المال العام هو السيد الامر، ام عن وطن تواطأ اهل السياسة فيه مع اهل المصارف لسرقة مدخرات وجنى عمر اهله ومغتربيه من دون شفقة او رحمة.

ـ عن اي وطن تتحدثون ونحن نصدّر فلذات اكبادنا الى الخارج بفرح كونهم تمكنوا من الحصول على فيزا ليعيشوا بكرامات بدل الاذلال والقهر في وطن صدر الابجدية للعالم وها هم اولاده اليوم يفتشون عن جنسية اخرى تكون ملاذاً لهم من غدر الايام الثقيلة التي اوصلونا اليها.

ـ عن اي وطن تتحدثون والمتقاعد من عمله يضطر للعمل باي مهنة وبالقليل من الليرات ليتمكن من ستر عوزه فيما من المفروض ان يعيش ما تبقى له من ايام او سنوات بأمان.

ـ عن اي وطن تدافعون والعديد من العائلات ترتجف من البرد القارس وهي عاجزة عن تأمين المازوت أو الغاز وحتى الحطب للتدفئة وتكتفي بزيادة عدد الاغطية.

ان الوطن يا احبائي هو الذي يصون كرامة اهله ليصون اهله كرامته، لان الكرامة اغلى شيء في الدنيا، ولكن وطننا مريض ولا حول له ولا قوة لان القيمين عليه امتصوا كل مقوماته وبات معظم اهله يرددون مع الشاعر والاديب الكبير محمد الماغوط “ان الوطن حيث تتوافر مقومات الحياة لا مسببات الموت”.

ان كراماتنا في وطننا تهان عشرات المرات في اليوم وكيف لا تهان هذه الكرامة عندما يكون راتبك مليون ليرة وانت بحاجة اقله لاربعة ملايين لتسد رمق عائلتك.

ان الحديث عن الوطن قضية وطنية بامتياز ومن المعيب والجحود ان نتنكر لمن نحمل هويته وجواز سفره وحبه المتغلل في قلوبنا ونحزم حقائبنا ونرحل، ولكن الوطن ليس فقط علماً ونشيداً وهوية بل هو اكثر من ذلك، ويبدو حتى الساعة ان المسؤولين عندنا يتناسون وجع وقهر الوطن واهله ويتصارعون من اجل الحكم، وربما عندما تنتهي صراعاتهم لن يعود هناك لا وطن ولا مواطنين، فيا ليت يرحلون هم ويبقى الوطن لانه على قول المثل الصيني “جميلة او قبيحة انها بلادي”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal