رغم أنّ الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1325 لا تشمل النازحات بشكل مباشر، إلّا أنه يمكن القول أنّ النازحات السوريات هن أكبر الغائبات الحاضرات، كطيف يلقي بظلاله على هذه المسيرة. فهنّ يشكّلن جزءاً أساسياً من حجم النزوح السوري إلى لبنان وفرضن أنفسهن على أجندة البلديات والجمعيات الأهلية في محافظة عكار التي خصّصت للنازحات أنشطة دمج بالمجتمع المضيف.
لا شك أنّ وضع خطة العمل الوطنية بالإطار الدولي لحقوق الإنسان، وتحديد جدول أعمال متكامل يربط إجراءات تمكين المرأة والسلام والأمن بأهداف التنمية المستدامة (SDGs) لا سيّما الهدف 5 بشأن الحدّ من عدم المساواة بين الجنسين، والهدف 16 بشأن تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة، هو اعتراف ضمني بضرورة لحظ الخطة النازحات السوريات.
والخطة نفسها تؤكد على أنه “ينبغي النظر إلى خطة العمل الوطنية على أنها وثيقة حيّة يمكن مراجعتها من قبل المؤسسات الوطنية المسؤولة على النحو الذي تراه مناسباً”، ما يفسح المجال أمام تحديد الوسائل والسبل التي تمكّن البلديات والجمعيات الأهلية والمدنية، بالتعاون مع الجهات الداعمة والمانحة المحلية والأقليمية والدولية، من مساعدة النازحات على التحوّل من مرحلة تلقي المساعدات والمعونات الأنسانية إلى القيادة والأدارة وبناء السلام.
القرار 1325
صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن والمتخذ بالإجماع، في 31 تشرين الأوّل من العام 2000. حثّ هذا القرار كلاً من مجلس الأمن والأمين العام والدول الأعضاء وجميع الأطراف المعنية على أخذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية، والأخذ بدمج النوع الأجتماعي في التدريب وحفظ السلام وحماية المرأة، إضافة إلى إدماج النوع الأجتماعي في جميع أنظمة تقارير الأمم المتحدة وآليات تنفيذ البرامج. ويعتبر تبني القرار بمثابة خط فاصل بالنسبة لتطور حقوق المرأة وقضايا الأمن والسلام، حيث يعتبر أوّل وثيقة رسمية وقانونية تصدر عن مجلس الأمن يطلب فيها من أطراف النزاع إحترام حقوق المرأة ودعم مشاركتها في مفاوضات السلام وفي إعادة البناء والأعمار التي تلي مرحلة النزاع والصراع. يُعدّ القرار مهماً بالنسبة للمرأة على المستوى العالمي لأنه أوّل قرار لمجلس الأمن يهدف إلى ربط تجربة النساء في النزاعات المسلحة بمسألة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.
الأعمدة الأربعة الرئيسية للتنفيذ
دعا القرار 1889 لعام 2009 الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى تطوير عدد من المؤشرات لمتابعة تنفيذ القرار 1325. واستخدمت هذه المؤشرات في برامج الأمم المتحدة، وتبنّى بعض الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية هذه المؤشرات أيضاً. وترتكز المؤشرات على أربعة أعمدة رئيسية وهي المنع والحماية والمشاركة، والتعافي والمساعدة.
المنع: يركّز على حظر العنف القائم على الجنس والنوع الأجتماعي، وعلى الوعي الجنساني في منع نشوب الصراع، وعلى نظام الإنذار المبكر بما في ذلك منع الأعتداء والأستغلال الجنسي من جانب قوات حفظ السلام.
الحماية: تشمل تحسين أمن الفتيات والنساء، وتحسين صحتهن الجسدية والعقلية، وأمنهن الأقتصادي وحياتهن بشكل عام. وتركّز أيضاً على تحسين حقوق النساء والفتيات وحمايتهن القانونية.
المشاركة: تشير إلى تعزيز مشاركة النساء في عمليات السلام، وزيادة أعداد النساء في جميع منظمات صنع القرار، وزيادة الشراكة مع المنظمات النسائية المحلية. كما تتضمن زيادة مساهمة النساء في المناصب العليا بمنظمة الأمم المتحدة، كمنصب الممثل الخاص ومهام وعمليات حفظ السلام.
جهود التعافي والمساعدة: تقضي بتوزيع مساوٍ للمساعدة الدولية للنساء والفتيات، وتضمين هذه الجهود المنظور الجنساني.
وعلى لائحة المؤشرات الخاصة أيضاً، مراقبة الأرقام المرتبطة بالنتائج، مثل أرقام النساء المشاركات في مفاوضات السلام، وعدد الأدلة العسكرية التي تتضمّن مقاييس لحماية المرأة، أو عدد القضايا المحقّق فيها عن العنف ضد المرأة.
خطة العمل الوطنية
إعتمد لبنان خطة العمل الوطنية الأولى في عام 2019 للفترة 2019-2022. طوّرت الخطة لجنة توجيهية بإشراف الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية (NCLW) ، تألفت من ست وزارات وثلاث منظمات مدنية وست وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل كمجلس إستشاري تقني. تسلط خطة العمل الوطنية الضوء على نهج الحكومة والمجتمع في تنفيذ الأهداف المحدّدة، وتعكس أهدافها ركائز قرار مجلس الأمن رقم 1325، مع التركيز، بشكل خاص، على زيادة المشاركة الكاملة للمرأة في عمليات صنع القرار في المجال السياسي والدبلوماسي والأقتصادي وفي قطاعي الأمن والدفاع. على هذا النحو، تضع خطة العمل الوطنية سياقها لأجندة المرأة والسلام والأمن (WPS) من خلال تأسيس المناقشة في الأطر القانونية والأستراتيجية الوطنية في لبنان والتحديات المستمرّة للنهوض بحقوق المرأة في المجالات الشخصية والسياسية والقانونية. كما تربط خطة العمل الوطنية هذه المناقشات بالإطار الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعزيز جدول أعمال متكامل من خلال ربط إجراءات تحسين وضع المرأة والسلام والأمن بأهداف التنمية المستدامة (SDGs) ، ولا سيّما الهدف 5 بشأن الحدّ من عدم المساواة بين الجنسين، والهدف 16 بشأن تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة. إنها خطة عمل مفصّلة مدتها أربع سنوات وهي بمثابة وثيقة حياة يمكن أن تراجعها المنظمات الوطنية المسؤولة وتقيّمها وفقاً لما تراه مناسباً.
روكز: خطوة نوعية يخطوها لبنان في اتجاه تماسك أكبر في مجتمعه
رئيسة “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” السيدة كلودين عون روكز، وفي تصريح خاص، اعتبرت “أنّ اعتماد الحكومة اللبنانية لخطة عمل وطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن، ينطوي على إرادة سياسية جدّية لدى الحكومة، لدعم مشاركة المرأة في صنع القرار، ولتصحيح القوانين المجحفة بحقها، ولحمايتها من العنف الذي قد تتعرّض له”.
وأضافت: “إنّ المبادرات التي تتضمنها هذه الخطة سوف تساعد النساء على تخطي الصعوبات التي يعشنها خلال حالات النزاع، وعلى المشاركة في الجهود الرامية إلى الحؤول دون حصول مثل هذه الحالات. بهذا القرار، تلتزم الإدارات الرسمية العمل يداً بيد مع الهيئات والمنظمات الداعمة للمرأة بهدف تعزيز وضع النساء في المجتمع، وإزالة كل أشكال التمييز التي يعانين منها.”
وختمت: “إنها خطوة نوعية يخطوها لبنان في اتجاه تماسك أكبر في مجتمعه.”
الدولة اللبنانية تعتبر السوريين نازحين وليس لاجئين للتنصل من تطبيق القرارات الدولية
الخبير في القانون الدولي المحامي الدكتور طارق شندب أكد، في اتصال خاص، أنّ “القرارات الدولية، ومنها القرار 1325، المتعلقة باللاجئين، تتحدث عن عملية الإندماج والتأهيل وغير ذلك، فيما الدولة اللبنانية تعتبر اللاجئين السوريين نازحين، ولا تعطيهم صفة اللاجئين حتى لا تتكفل بتطبيق القرارات الدولية، ولا حتى لتقديم المساعدات التي تأتي ضمن الأتفاقات الدولية وتحديداً تلك المتعلقة باللاجئين. لذلك، فإنّ الأشكالية مرتبطة بالقرار السياسي في لبنان وهو يختلف عن القانون اللبناني. فالقانون اللبناني يلتزم بالقرارات والأتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن حسبما يفرضه الدستور اللبناني، أي أنّ السلطة السياسية اللبنانية تخالف القوانين اللبنانية والدولية معاً، ومن بينها القرار 1325، فالحكومة اللبنانية لا توليه أي اهتمام”.
مصادر مطلعة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكدت “أنه في نهاية عام 2020، تمّ تسجيل حوالي 865,531 لاجئاً سورياً لدى المفوضية في لبنان، بانخفاض قدره 49,117 (5.4%) منذ نهاية عام 2019”.
وكان وزير الشؤون الأجتماعية الأسبق رمزي مشرفية أكد في تصريحات صحفية “إنّ الرقم المتوفر الآن لدى وزارة الشؤون الأجتماعية يظهر أنّ هناك مليوناً ونصف المليون سوري على الأراضي اللبنانية، بين نازحين وعمال”. وقد تبيّن أنّ هذا الإحصاء هو نتيجة عمل قامت به وزارة شؤون المهجرين المكلفة بالجانب التقني ضمن اللجنة الوزارية للتنمية الريفية، وقد عملت الوزارة بالتنسيق مع التفتيش المركزي، وبالتعاون مع البلديات على إجراء إحصاء كامل لكل القطاعات والخريطة الديموغرافية في كل البلدات اللبنانية.
محافظة عكار
محافظة عكار التي تشغل حيزاً واسعاً من محافظة لبنان الشمالي، تبلغ مساحتها 79787 هكتار. عدد قراها المأهولة 208 تضمّ 127 بلدية.
تعاني عكار من التهميش والإهمال من قبل الحكومة المركزية، فهي المنطقة الأكثر فقراً في لبنان ولديها أعلى نسبة من الأمية في البلاد. تنقصها البنية التحتية والخدمات الأساسية. أدّى تدفق الاجئين السوريين إلى فرض تحديات جديدة، إذ وصل معدل البطالة في المحافظة إلى ما يقرب من 60 ٪ في عام 2015.
أهم مخيّمات النزوح في عكار وأبرز التجمعات
يقول الناشط في جمعية “الأيادي البيضاء” ربيع المصري: “يعيش أغلب النازحين السوريين في مجمّعات سكنية وبعض المخيّمات التي تنتشر على مساحة محافظة عكار من العبدة إلى حدود وادي خالد. من أهمها، مخيم الريحانية في ببنين، ومخيمات خربة داوود وكفر الفتوح وتل عباس وغيرها. وأكثر المناطق استقطاباً للنازحين هي ببنين، العبدة، دير دلوم، وادي خالد، برقايل، فنيدق، مشمش، البيرة، مشحا، السهل، وأكروم. وتتركّز أعلى كثافة للنازحين السوريين في منطقة وادي خالد حيث يتجاوز عدد العائلات فيها الخمسة آلاف عائلة ويعتبر مخيّم الريحانية من أكبر المخيّمات في لبنان، إذ تقطن فيه حوالي 250 عائلة ويسكن في محيطه أكثر من 500 عائلة، إضافة لمجمّعات خربة داوود التي تضم 270 عائلة، ومخيّم كفر الفتوح الذي تسكن فيه 100 عائلة. كما أنّ مخيّمات تل عباس من المخيّمات الكبيرة نسبياً وفيها 100 عائلة، وتتراوح أعداد العائلات في باقي المخيّمات ما بين 50 إلى 70 عائلة، علماً أنّ عدد العائلات في منطقة دير دلوم وبرج العرب ومفرق برقايل يبلغ أكثر من 2000 عائلة.
المحافظ لبكي: البلديات عاجزة وعلى المجتمع الدولي الإسراع بوضع خطة لمساعدة المجتمع المضيف في ظل عجز الدولة اللبنانية.
في تصريح خاص، أكد محافظ عكار عماد لبكي أنّ عكار، بحكم موقعها الجغرافي، استقبلت منذ العام 2011 حوالي 160000 نازح. ولفت إلى أنّ البلديات والجمعيات الأهلية قدّمت الكثير من الجهد والمساعدات للنازحين، لكن، ومنذ ثلاث سنوات، أصبحت البلديات عاجزة تماماً بسبب جائحة كورونا والظروف السياسية والتضخم المالي. فهذا الواقع جعل المجتمع المضيف بحاجة أكثر للمساعدة. ودقّ لبكي ناقوس الخطر مشيراً إلى ضرورة وجود خطة أممية في ظل عجز الدولة اللبنانية، معترفاً بعدم وجود رؤية أو خطة لديه كمحافظ، ومحذراً من تفاقم أزمة الكهرباء والمياه والنفايات. “هناك هدر للطاقة من خلال التعدّي على شبكة الكهرباء العامة في المخيمات مما يؤدّي إلى احتراق العديد من المحوّلات. وكذلك البلديات أصبحت عاجزة عن تأمين المياه وجمع ونقل النفايات ومعالجتها حيث أنها باتت تدفع عشرة أضعاف ما كانت تدفعه سابقاً، خصوصاً أنّ الجهات المانحة لم تساعد في موضوع النفايات سوى بتقديم بعض الآليات وهذة الآليات تحتاج الى مازوت وصيانة وهذا يحتاج الى العملة الصعبة أي الدولار، وهي مفقودة”.
البلديات والجمعيات الأهلية: أنشطة ومبادرات تتطلب المتابعة وروحية القرار 1325 حاضرة بقوة رغم الغياب الرسمي
يسجّل للبلديات وهيئات المجتمع المدني أنّ روحية القرار 1325 حاضرة بقوّة في كل أنشطتها المتعلقة بالمرأة عموماً وبالنازحات خصوصاً رغم الغياب الرسمي اللبناني.
الرئيس السابق لبلدية واتحاد بلديات وادي خالد الدكتور فادي الأسعد اضاء على مروحة نشاطات مشتركة شملت نازحات سوريات ومضيفات لبنانيات في منطقة وادي خالد المتاخمة للحدود السورية اللبنانية والتي شهدت نزوحاً كثيفاً. من هذه النشاطات، دورات الخياطة والماكياج والرسم والتزيين، والمهن الحرة المعجّلة مثل تصليح وصيانة الهواتف وتعليم اللغات (إنكليزي وفرنسي) وكيفية استخدام الكمبيوتر والتوعية النفسية ومتابعة مرضى الحرب، وإدارة الأسرة وصناعة الحلويات وتحضير المأكولات وإنشاء ملاعب رياضية وتأسيس فرق رياضية مشتركة وإقامة المباريات والدورات والبطولات الرياضية وتأهيل الأماكن الأثرية.
تمّت هذة الأنشطة بالمشاركة مع مؤسسات وجمعيات ومنظمات محلية ودولية مثل برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP، والمجلس الدنماركي للاجئين DRC ومنظمة اليونيسيف UNICEF و اكتد ACTED، وأطباء بلا حدود MSF، ومركز دواوين وجمعية عكارنا وشبكة عكار للتنمية…
يخلص الأسعد للقول إنّ مشاركة النازحات والمضيفات في نشاطات مشتركة ساهمت في تكوين علاقات ومقاربات جديدة أساسها الحوار وتفهم الآخر، ونتج عنها صداقات وزيجات وعلاقات إجتماعية واعدة أدّت إلى تراجع حدّة النزاعات، وساهمت في حالة الإستقرار، وفتحت الآفاق على نقاشات واعدة حول ضرورة تعزيز الثقافة القانونية لدى النساء لضمان حقوقهن وتأكيد النضال المشترك على أساس إنساني ينسجم مع نص ومضمون القرار الدولي 1325 وسعي لبنان لتطبيقه.
أيمن شحادة رئيس جمعية “تنمية وسلام” التي تنشط في مختلف قرى محاقظة عكار، أكد أنّ الجمعية نظمت نشاطات عديدة مشتركة استلهمت من خلالها تطبيق مضمون وروحية القرار الأممي 1325 إذ استهدفت دمج نازحات سوريات ومقيمات لبنانيات تحت عناوين حل النزاعات، والتواصل والاتصال، وتقديم الإسعافات الأولية، والدعم النفسي والإجتماعي، ومكافحة العنف ضد المرأة والزواج المبكر والتحرش الجنسي، والتمكين عبر دورات مهنية معجّلة، بالشراكة مع منظمات عديدة.
شحادة لفت إلى أنّ العديد من هذة النشاطات أدى إلى إقامة مشاريع صغيرة مشتركة بين المشاركات، مشيراً إلى أنّ النشاطات المشتركة أفسحت المجال أمام حوارات وتفاهمات متبادلة فتحوّلت النزاعات إلى فرص إنتاجية إنعكست إيجاباً على العلاقات الإجتماعية بين الطرفين، وبالتالي خفّت حدّة المشاحنات وتلاشى الكثير من المشاكل حيث تمّ رصد انخفاض كبير في معدل النزاعات. وخلص شحادة الى ضرورة متابعة مثل هذة الأنشطة لا سيّما المتعلق منها بحماية الطفل من التحرش الجنسي والاعتداء اللفظي والجسدي والامراض المزمنة، فالاعتناء بأطفالهن يؤثر إيجاباً على الأمهات النازحات.
شهادات وتجارب تشدّد على ضرورة الإهتمام بالنازحات والمقيمات على حدٍّ سواء
أحلام محمد إسبر نزحت من منطقة إدلب في العام 2012 مع زوجها واطفالهما الأربعة. هي تؤكد، إثر اطلاعها على القرار الأممي 1325 بأركانه الأربعة، أنه من المهم للنساء عموماً وللنازحات خصوصاً، تعزيز ثقافتهن القانونية والاطلاع على القوانين المحلية والدولية التي تحفظ حقوقهن. وتصف إسبر بداية النزوح بالقهر. كانت نفسيتها مدمّرة، جرّاء معاناة النزوح إلى بلد لا يعرفون فيه أحداً وإقامتهم في بيئة مختلفة تنظر إليهم كأنهم كائنات غريبة. كما لم يكن المال متوفراً معهم، ما حال دون حصولهم على السكن اللائق فيما فرص العمل معدومة، في منطقة مشحا-عكار التي تعاني الفقر والتهميش ويبلغ عدد النازحين فيها 4500 نازح حسب مصادر البلدية. “بعد ثماني سنوات، إختلف الوضع. إندمجنا مع المحيط من خلال مشاركتنا بالنشاطات التي تقيمها البلدية والمنظمات الأهلية وأصبح لدينا صداقات استطعنا بفضلها تأمين فرص عمل”. وتنوّه إسبر بمتابعة أبنائها الدراسة مشدّدةً على ضرورة تأمين الدعم النفسي لأطفال النازحين، خصوصاً أولئلك الذين ترغمهم الظروف على العمل بما يتعارض وطفولتهم، مشيرةً إلى أنّ كل النشاطات التي تستهدف دمج النازحين بالمقيمين، تنعكس إيجاباً على الجميع بما فيهم النساء.
شمسيني: الزواج المبكر للنازحات جريمة كبرى
المهندسة سمر شمسيني نازحة سورية تعمل حالياً كمديرة مدرسة خاصة بأطفال النازحين وناشطة إجتماعية. تؤكد اطلاعها على قرار مجلس الأمن الدولي 1325 بمختلف مندرجاته وتلفت إلى تواضع ثقافة النازحات من الناحية القانونية، سواء في ما يتعلق بالقوانين المحلية أو الدولية.
“الحرب في سوريا كان لها تأثيرات عدّة، خصوصاً على المرأة التي كان لها الحصة الكبرى من الآثار الناتجة عن الحرب والنزوح. واهتمامي بموضوع الزواج المبكر بشكل خاص لم يأت من عبث. فأنا كأمرأة سورية عاشت النزوح الداخلي والخارجي، وكأمرأة فقدت زوجها منذ 9 سنوات وكنت أماً لطفلة عمرها 5 سنوات، أؤمن بأنّ الزواج المبكر هو جريمة كبيرة. فلولا تعليمي، لما استطعت مقاومة الظروف الصعبة والعمل لأوفر لابنتي حياة كريمة وبالتالي حميتُ نفسي من الإستغلال مقابل تأمين لقمة العيش. من هنا موقفي ضد الزواج المبكر للحفاظ على حق المرأة في التعلم الذي هو سلاحها في ظل هذة الظروف، وحرمانها من هذا الحق يخلق جيلاً غير متعلم، ما يؤثر سلباً على أولادهن في المستقبل”. وتتابع شمسيني: “إنّ معظم حالات الطلاق في المحاكم الشرعية هي لقاصرات لم يتمكنّ من الاندماج في المجتمع. إنهن لا يعرفن حقوقهن ولا واجباتهن. فهن لم يحصلن على فرصة لتحصيل المعرفة اللازمة لبناء أسرة، كما أنهن لسن على علم بالأخطار الصحية التي قد يعانين منها بسبب عدم اكتمال بنية أجسامهن، فهل ولد يستطيع ان يربّي ولداً؟ بالطبع لا. فعند الطلاق، تصبح هذة الأم الطفلة أماً لطفل تعجز عن رعايته واحتضانه”.
وتضيف شمسيني: “شاركت بنشاط دعم نفسي إجتماعي مع جمعية Led relief عن الزواج المبكر إستهدف النازحات السوريات في منطقة التليل –عكارفي شمال لبنان. وكان عنوان النشاط “الولد لا يربّي ولد”. اجتمعت بعدد من أهالي المنطقة وتحاورت معهم عن طريق طرح أسئلة عن سبب الزواج المبكر، فكانت الأجوبة متفاوتة بين عدّة أسباب أبرزها الوضع الإقتصادي السيء للعائلة، ممّا يدفعها لتزويج ابنتها للختفيف من عبء مصروفها. ومن الأسباب أيضاً، سكن إبن عم الفتاة أو إبن خالها مع العائلة بسبب وفاة والده، فيزوّجوه ابنتهم حتى لا يكون وجوده في بيتهم حراماً”.
الزعبي: تطوّر العلاقة نحو الافضل
رابعة الزعبي سيدة لبنانية شاركت في نشاطات مركز “دواوين” التابع لمنظمة ريليف – Relief بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. تقول: “كان “دواوين” مركز تواصل ومساحة مشتركة للنازحات والمضيفات بهدف دمج اللاجئين السوريين مع اللبنانيين المقيمين فيتقبّل كل طرف الآخر، وللتخفيف من حدّة التباينات. كون “دواوين” مركزاً للترفيه، بإمكان النساء فتح شبكة الإنترنت مجاناً وشرب القهوة وتبادل الأحاديث بالإضافة إلى توفر زاوية للأطفال مكونة من 3 أجهزة إلكترونية للعب وطاولة مجهزة بالدفاتر والألوان. شكّل المركز ملاذاً آمناً للحديث عن كل ما يقلق النساء اللواتي يحصلن على المساعدة اللازمة لهن لأن العديد من النازحات يجهلن ما لهن من حقوق مثل تثبيت الزواج وإجراءات الطلاق أو حتى تجهيز أوراق النزوح.
تصف الزعبي بدايات النزوح بالمليئة بالخلافات والنزاعات وبعدم تقّبل الآخر، فلم تكن اللبنانيات راغبات بالتواجد مع نساء سوريات. وتفاقمت الأمور مع شعور اللبنانيين بمنافسة العمال السوريين لهم في مجالات العمل وبعدم حصولهم على الدعم المادي، كما اللاجئين، رغم تردّي وضع اللبنانيين الإقتصادي.
مع ازدياد وعي منظمات المجتمع الدولي لضرورة دعم البيئة اللبنانية الحاضنة وانتشار التوعية بين اللبنانيين والسوريين تحسّنت العلاقات، وإنّ لم تشكّل الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 الرافد الأساسي لعملية الإرتقاء بحقوق المرأة وقضايا الأمن والسلام إلى مستويات أفضل … حتى إشعار آخر.
الكاتب: زياد علوش
Related Posts