يخوض رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تحديات من العيار الثقيل، ربما لم يسبق لأي رئيس حكومة أن واجهها، حيث يقاتل بمفرده على جبهات عدة، من معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، مرورا بتحمل أعباء تعطيل مجلس الوزراء، وصولا الى التداعيات الخطيرة للمقاطعة السعودية والخليجية للبنان، وما بين ذلك من ملفات القضاء والأمن والكهرباء والمصارف والاستشفاء وصندوق النقد الدولي، ومواجهة الاستفزازات ووضع العصي في دواليب قطار الانقاذ!..
لم يركن الرئيس ميقاتي لارادة التعطيل، فإذا كانت إجتماعات الحكومة ما تزال متعذرة بسبب إشتباك سياسي ـ قضائي يحرص رئيس الحكومة على الفصل بينهما بما يحمي القضاء ويبعده عن التسييس، فإن الاجتماعات الوزارية الثنائية والجماعية متوفرة، وهي قادرة على تشكيل خلية نحل في السراي الحكومي للانطلاق في تسيير شؤون المواطنين وتلبية بعض إحتياجاتهم.
لا شك في أن المساعدات الاجتماعية لكل موظفي القطاع العام التي أعلنها الرئيس ميقاتي بعد ترؤسه إجتماع “لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية والإقتصادية على سير المرفق العام” في السراي الحكومي أمس، وشملت إستثنائيا نصف راتب عن شهر تشرين الثاني، ونصف راتب قبل الأعياد في شهر كانون الأول، على أن لا يقل المبلغ عن مليون ونصف المليون ولا يزيد عن ثلاثة ملايين ليرة، إضافة الى إقرار بدل نقل عبارة عن 64 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور، قد أعطت إنطباعات إيجابية على أكثر من صعيد، لجهة:
أولا: الانطلاق بالخطوة الأولى نحو إستعادة الانتظام العام لمؤسسات الدولة التي من المفترض أن تعاود عملها بشكل طبيعي بعد التعطيل القسري الذي فرضته ظروف مختلفة كان آخرها غلاء كلفة الانتقال الى العمل، بما يمكنها من تسيير أعمال ومصالح المواطنين الذين كانوا يتزاحمون على أبواب تلك المؤسسات خلال يوم واحد من كل أسبوع، ما يؤدي الى سلسلة إشكالات كان آخرها ما شهدته وزارة التربية أمس الأول وأدى الى سقوط جريح.
ثانيا: بلغت قيمة التقديمات المعطاة من نصف راتب الى بدل النقل أكثر من القيمة المفترضة للبطاقة التمويلية التي من المفترض أن تبصر النور بعد إنجاز كل الآليات التمويلية والتنظيمية المتعلقة بها.
ثالثا: الحرص على الالتزام بالاجراءات والتدابير المتعلقة بفيروس كورونا، بالدعوة الى أن يكون الحضور في الادارات العامة بنسبة 66 بالمئة.
رابعا: القفز فوق كل التباينات والحساسيات السياسية، والتأكيد على أن الهم المعيشي يتقدم على كل ماعداه، تماشيا مع المهمة الأساسية للحكومة في وقف الانهيار والقيام بالحد الأدنى من تحسين الواقع الاجتماعي للمواطنين.
خامسا: التشديد على الضرورة القصوى لانعقاد جلسات مجلس الوزراء الذي من المفترض أن يكون منتجا الى أقصى الحدود بفعل الجدية في العمل والتي يترجمها الرئيس ميقاتي مع فريقه ومع عدد من الوزراء المعنيين بالواقع المعيشي والاجتماعي.
وفي هذا الاطار، بدا واضحا من كلام الرئيس ميقاتي أن ثمة إيجابيات تلوح في الأفق في ظل الحديث المتنامي عن قرب بلورة مخارج للأزمات التي ترخي بثقلها على البلاد، وهذا ما عبر عنه ميقاتي الذي بدا مطمئنا بأن مجلس الوزراء سينعقد قريبا لاتخاذ القرارات المتعلقة بأولويات الأمن الاجتماعي والتي من المفترض أن تطبق مع بداية العام الجديد..
Related Posts