ذكرى مولد عظيم الأخلاق.. بقلم: المحامي عمر زين

إنها ذكرى الولادة، ولادة عظيم الأخلاق، الذي مدحه الله بأخلاقه في كتابه المجيد قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة، فقال وهو أصدق القائلين: (وإنّك لعلى خُلق عظيم) وحقيقة الخلق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقاً والمراد من الآية: أي إنك يا محمد لعلى أدب عظيم، كما فسّرها الامام الطبري.

عددت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من مناقب النبيّ صلى الله عليه وسلّم وجمال خلقه بعد ان نزل عليه الوحي أول مرة فقالت: “إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” ولمّا سُئلت أمّ المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، سُئلت عن خُلق النبيّ فقالت: “كان خلقه القرآن” رواه مسلم، وفي رواية أخرى قالت: “ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبَيك، ولم يُذكرخُلقٌ محمودٌ إلا وكان للنبيّ صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر” فكل خصلة خير ذكرت في القرآن كانت من خصاله صلى الله عليه وسلم.

وروى البخاري عن عطاء رضي الله عنه سُؤاله لعبد الله بن عمرو: “أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة”، قال: “أجل والله إنه الموصوف في التوراة بصفته في القرآن يا أيُّها النبيّ إنّا أرسلنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِراً ونَذيِراً وحرزاً الأميين، أنت عبدي ورسولي، سمَيتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخَاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة ولكن يعفو ويغفر”.

لقد أهتم النبيَ صل الله عليه وسلَم أشدَ الإهتمام بإظهار عظيم ثواب حسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: “إنَ من أحبكم إليَ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا” فالعبد المؤمن يرتقي بحسن الخلق ليبلغ درجة تجعله من الأحب الى رسول الله صل الله عليه وسلَم والأقرب اليه مجلسا يوم القيامة، لم يقل ان هذه الدرجة تدرك بصلاته، ولا بصومه، ولا بكثرة مرَات حجَه ولا بكرمه إنَما بحسن خلقه.

وروى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما شيء أثقَل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء” وفي رواية أبي ذر رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” فجمع بين تقوى الله ومخالقة الناس بخلق حسن في دعواه الى الله تعالى.

وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب بعثته فقال: “إنّما بُعثت لأتمم مكارم الاخلاق” وفي رواية: “إنّما بعثت لأتمم صالح الاخلاق”.

ومن بعض صور جمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا فحَاش، ولا عيَاب، ولا مدّاح، لا يذم أحداُ، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، جُمع له الحلم صلى الله عليه وسلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء يستفزه، لطيف المعشر متسامحاً رحيماً، وكان سيَد المتواضعين، أبعد الناس عن الكبر، يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير، ويعود المرضى، وإذا استقبله الرجل فصافحه، لا ينزاع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس قال جابر رضي الله عنه: “ما سئل عليه الصلاة والسلام شيئاً فقال لا، وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، قال ابن عمر رضي الله عنهما: “ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله” – صلى الله عليه وسلم-. وقال أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه وارضاه: “إنّا كنّا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله. فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبيّ – صلى الله عليه وسلم -، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بُأساً”.

وكان عليه الصلاة والسلام أشد الناس حياء، قال أبو سعيد الخدري: “كان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه، وكان عليه الصلاة والسلام لطيف البشرة، رفيق الظاهر، لا يشافه أحداً بما يكرهه حياء وكرم نفس”. قال أمير المؤمين عليّ رضي الله عنه: “كان عليه الصلاة والسلام أوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، والينهم عريكة، وأكرمهم عشرة”.

من ذلك كلَه يقتضي على البشرية جمعاء أن تبتعد عن الفاحشة والبذاءة والكذب والنميمة والغدر والفجور والثأر والتجبر والتكبر والفظاظة والغلاظة والجبانة والخيانة والوقاحة، قال تعالى: (لقَدْ كانَ لَكُمْ في رسولِ اللهِ أسْوَةً حَسَنَةً لِمَنْ كَانَ يرجُو الله واليوْم الآخِرِ وَذكَرَ الله كثيراً) فكفى بمن كان يرجو الله واليوم الآخر أن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وليكن على نهجه بإتّباع أخلاقه، هذه الأخلاق التي تشكل في يومنا هذا العنصر الأساس للمواطنة والعيش المشترك والسلم الأهلي، وكلَنا بحاجة للتمسك بها في حياتنا لنصل الى الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والحفاظ على مجتمعنا وأمننا الوطني.

الكاتب: المحامي عمر زين

الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب

 

Post Author: SafirAlChamal