خاص ـ سفير الشمال
لم يكن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية مضطرا لاصدار بيان يشرح فيه تفاصيل وملابسات إعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري، حيث كان يمكن أن يختصر ما حصل بعبارة: “نجح الرئيس ميشال عون في الثأر لجبران باسيل من الرئيس سعد الحريري”.
لا شك في أن رئيس الجمهورية تصرف عن سابق تصور وتصميم منذ التكليف الذي سبقه المؤتمر الصحافي الشهير الداعي الى أن يحكّم النواب ضمائرهم في الاختيار، الى إجهاض التأليف بعد تسعة أشهر من دون أن يقدم مبررات مقنعة، حيث جاء البيان الرئاسي بمثابة “كاد المريب أن يقول خذوني”.
ضرب الرئيس عون برفضه تشكيلة الحريري كل مساعي ووساطات المجتمع الدولي بعرض الحائط، وكان آخرها محاولته تأجيل لقائه مع السفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو الى يوم الجمعة بإعتبار أن القرار بالنسبة له متخذ بأن لا لحكومة برئاسة الحريري، وبالتالي فلا داعي لاضافة “سواد وجه” مع وزيريّ خارجية أميركا أنطوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان اللذين شددا عليه من خلال السفيرتين على ضرورة تشكيل حكومة، لكن السفيرتان أصرتا على اللقاء معه اليوم الخميس ليضاف بلينكن ولودريان على اللائحة الدولية التي واجهها عون كرمى لعيون جبران باسيل.
مغالطات وهفوات عدة تضمنها البيان الرئاسي الذي بدا واضحا أن فيه لمسات بعض المستشارين، حيث لم يخل من الحقد والتشفي بالرئيس المعتذر الذي تم تصويره بأنه حضر الى قصر بعبدا مفتشا عن سبب بسيط للاعتذار، وقد تناسى المستشارون أنه منذ أن قدم الحريري تشكيلته الى رئيس الجمهورية لم يجد فيها فريق العهد أي ثغرة سوى أنه أعطى رئيس الجمهورية مهلة 24 ساعة لاتخاذ القرار بشأنها.
أكد البيان الرئاسي أن الرئيس عون عرض على الرئيس المكلف البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة الى الاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال مسعى الرئيس نبيه بري، علما أن مسعى الرئيس بري كان صيغة الـ24 وزيرا، وقد إلتزم بها الحريري الذي تعرض لشتى أنواع “التفشيل” وكان آخرها إصرار عون على تسمية الوزيرين المسيحيين لحصول باسيل بشكل مقنع على الثلث المعطل، وطالما أن هذا الأمر لم يتوفر فإن الرفض سيكون سيد الموقف لأن الثلث المعطل هو بيت القصيد.
واللافت أن البيان الرئاسي إتهم الحريري بأنه رفض مطلب الرئيس عون بالأخذ برأي الكتل النيابية لكي تحصل الحكومة على الثقة، متناسيا أن الحكومة يشكلها رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية وليس للكتل النيابية أي دخل أو رأي بها، أما الثقة فيمنحها النواب للحكومة بناء على مناقشة بيانها الوزاري وليس على تشكيلتها، ما أظهر بشكل واضح أن عون كان يريد من الحريري أن “يبوس تيريز” وأن يأخذ برأي جبران باسيل، فإذا وافق معه يوقع مراسيمها وإذا إختلف معه يمتنع عن التوقيع، وهكذا كان.
وبدا البيان الرئاسي متهيبا للنتائج التي سوف تترتب على العهد بعدما تسبب في عزل لبنان عن محيطه الخارجي، وتسبب في إشعاله داخليا بالاحتجاجات المرشحة الى مزيد من التصعيد مع تفلت الدولار من عقاله وإنعكاسه الكارثي على كل السلع الغذائية، فحاول إعطاء اللبنانيين “إبرة مورفين” بالاعلان عن أن “رئيس الجمهورية سيحدد موعدا للاستشارت النيابية الملزمة في أسرع وقت ممكن”، لكن فاته أن ما قبل إعتذار الحريري ليس كما قبله.