خاص ـ سفير الشمال
كانت صرخة المواطن بسام الصمدي الذي قطع الطريق بمفرده أمام صيدلية علم في طرابلس إحتجاجا على عدم توفر الدواء لابنته في الصيدليات لتخفيض حرارتها المرتفعة التي تجاوزت الـ40 درجة، كافية للدلالة الى أن لبنان بدأ يدخل العصر الحجري من بابه الواسع، في ظل قيادات سياسية من حجر فكرا وعقلا وقلبا ما تزال تمعن في تعطيل تشكيل الحكومة وترفض السير في طريق إنقاذ ما تبقى من هذا الوطن الجريح، وتقدم مصالحها ومكاسبها وجشعها وشهوتها للسلطة على كل مقومات العيش الكريم التي بدأ اللبنانيون يفقدونها تباعا.
ليس سرا أن الأدوية الأساسية لم تعد موجودة في الصيدليات، فلا أدوية قلب ولا ضغط ولا سكري ولا إلتهابات ولا مسكنات ولا مهدئات، في ظل عدم قدرة مستوردي الأدوية على الاستيراد منذ أكثر من شهر بسبب تراكم المستحقات المترتبة لصالح الشركات المصدرة والتي فاقت قيمتها الـ600 مليون دولار، وعدم حصول الشركات المستوردة على موافقات مسبقة لمعاودة الاستيراد.
وتشير المعلومات في هذا الاطار الى أن المخزون من الأدوية الأساسية التي تعالج أمراضا مزمنة ومستعصية بدأ ينفد، وأن لبنان سيكون أمام كارثة حقيقية إذا لم تعاود الشركات إستيراد هذه الأدوية في أسرع وقت.
أزمات تتوالد و”شعب لبنان العظيم” مهدد بالموت والجوع في عهد ميشال عون الذي تعهد بتسليم لبنان أفضل مما تسلمه، وإذ به يبشر بذهابه الى جهنم التي بدأ المواطنون يتحسسون لهيبها في سعر الدولار وغلاء أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وطوابير الذل اليومية على محطات المحروقات، وفي العتمة الشاملة، وفي فقدان الأدوية، وفي الفلتان الأمني من إعتداءات وتصفية حسابات وإشكالات وسرقات وسطو مسلح، وغير ذلك من حالات الفوضى التي تنذر بالسقوط الى الدرك الأسفل من الهاوية.
كل ذلك، لا يحرك ساكنا لدى أركان السلطة المرتاحين على أوضاعهم، إما لتواجدهم في عالم آخر منفصل تماما عن الواقع، أو لأنهم إفتقدوا كل حسّ بالمسؤولية وتحولوا الى جزارين يفتشون فقط عن مصالحهم، أو لأنهم إحترفوا الكذب والدجل السياسي، خصوصا أن حججهم حتى الآن بعد مرور تسعة أشهر على التكليف بعدم تشكيل الحكومة تتمحور تارة حول الحفاظ على وحدة المعايير وحماية الميثاقية والدفاع عن حقوق المسيحيين، وتارة أخرى حول إحترام الصلاحيات وآليات تنفيذها، في حين أن اللبنانيين الذين يكادون يلفظون أنفاسهم الأخيرة يريدون تشكيل حكومة تعيدهم الى الحياة.
لا شك في أن هذه الحجج لم تعد تنطلي على أحد، فحقوق المسيحيين تتأمن عندما يحصل اللبنانيون على الدواء والغذاء والمحروقات، والمعايير تسقط وكذلك الميثاقية والصلاحيات أمام صرخة أب لا يجد دواء لتخفيض حرارة إبنته، أو حرقة إبن لا يجد في الصيدليات ما يخفف نسبة السكر في دم والده أو والدته.. فهل يريد أركان السلطة أن يتداوى اللبنانيون بحبتين “حقوق مسيحيين” بعد الأكل لوجع الرأس، أو بحبة “صلاحيات” قبل النوم لتخفيض السكر، أو بحبتين “ميثاقية” للضعط، وبحبة “معايير” لتهدئة الأعصاب؟.. ربما بات مطلوبا أن يتجرع اللبنانيون حبوب العنفوان والكرامة والثورة للاطاحة بهذه السلطة القاتلة.