صدر كتاب إضاءات في الأدب والفكر والثقافة للباحثة الدكتورة زهيدة درويش جبور، عن مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية، وهو مجموعة من الدراسات تتناول مواضيع فكرية متنوعة.
يشكّل الباب الأول “الشعر وسؤال المعنى” إطلالة نقدية على عالم الشعر العربي المعاصر ومسألة الحداثة والالتزام. فيما يُبرز الباب الثاني “جولة في ميادين الأدب” أهمية الدراسات البينية في العلوم الإنسانية، ويتضمّن تحاليل لبعض النماذج الروائية الحديثة.
أما الباب الثالث “آفاق الأدب الفرنكفوني”، فيطرح مسألة الفرنكفونية في لبنان والعالم العربي، هل هي ثقافة غزو أم مشروع حوار بين الثقافات؟، مع تركيز على مسألة الهُوية عبر قراءة متفحّصة لنتاج أهم الأدباء اللبنانيين الفرنكفونيين في العصر الحديث.
ويطرح الباب الرابع “الثقافة والمواطنة وشؤون المرأة” مشكلات الثقافة العربية تجاه التحولات الجديدة، ودور الثقافة والتربية في مواجهة العنف، والتربية على المواطنة العالمية سبيلاً لإرساء أسس مجتمعات أكثر سلاماً وتسامحاً، وأخيراً دور المرأة العربية في الثقافة والمجتمع في ظل العولمة. كتاب يرصد مسار الحركة الأدبية والفكرية بعين الناقد الموضوعي الذي يستند الى منهجية أكاديمية رصينة وثقافة متنوعة المشارب.
د. زهيدة درويش جبور
*أستاذة الأدب الفرنسي والفرنكفوني في الجامعة اللبنانية، أمينة عامة سابقة للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو.
*ناقدة أدبية، لها العديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، من بينها : “التاريخ والتجربة في “الكتاب” لأدونيس”؛ “الشعر والكشف في أعمال ناديا تويني الشعرية”؛ “دراسات في الشعر اللبناني الفرنكفوني”؛ “الفرنكفونية في مساراتها المتعددة”؛ “الأدب الفرنكفوني في الشرق الأوسط (مصر، لبنان، سوريا)”. كما لها العديد من الكتب المترجمة.
وتقول الدكتورة زهيدة درويش في تمهيدها لكتابها الجديد: هذا الكتاب هو حصيلة تجربة نقدية امتدّت لأكثر من ثلاثة عقود، قمتُ خلالها برصد التحوّلات التي كانت تطرأ على الساحة الأدبية والفكرية، حيث كنتُ أتابع بموضوعية وشغف نتاج شعراء وروائيين ومفكّرين ربطتني بالكثير منهم معرفة وثيقة. وقد ارتأيت جمع هذه المادة لوضعها بين أيدي الباحثين والمهتمين، وأدرجتُها في أربعة أبواب كانت موضوعاتها محطّ اهتمامي ومتابعتي.
كان من الطبيعي أن يحظى الشعر بمكانة كبرى، وهو مجال اختصاصي، فتتبّعتُ في الباب الأول حركة الحداثة منذ البدايات مع تشكيل الخطاب الشعري، وصولاً الى حركية الإبداع في النصف الثاني من القرن العشرين التي تمثّلت بأسماء روّاد طبعت هذه المرحلة، من بينهم نزار قباني وأنسي الحاج وأدونيس، لتكتمل الصورة مع شعراء الجيل الثالث الذين لا يزالون يرفدون الساحة الشعرية بنتاجات تستحق أن يتوقف الناقد عندها، ومن بين هؤلاء شوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين وبول شاوول وهنري زغيب وعبده وازن وعيسى مخلوف وعقل العويط.
كما تسنّى لي في الباب الثاني التركيز على أهمية الدراسات البينية في العلوم الإنسانية، ومواكبة بعض التجارب في القصة والمسرح وأدب الرحلة. إلا أن الرواية نالت النصيب الأوفر، وقد اخترتُ بعض الدراسات التي تعكس أهمية التجارب الروائية الحديثة من حيث إضاءتها على المشكلات الاجتماعية، سيما في أعمال إمِلي نصرالله وجبور الدويهي وعلوية صبح ومي منسى. كما كان لا بد لي من أن أُشرك القارىء في تأثّري الشخصي بتجربة استثنائية تنغرز بعمق في الوجدان الإنساني وهي تعود للمطران جورج خضر، حيث تناولتُ فكره وتجربته من زاوية الصوفية والإنسانوية.
أما الأدب الفرنكفوني الذي يحتل الباب الثالث فقد نال نصيباً وافراً من أبحاثي، وقد كرّستُ له عدة مؤلفات باللغة الفرنسية، كوني كنتُ أدرّس هذا الأدب في الجامعة لسنوات طويلة، وشاركتُ في مؤتمرات عديدة عالَجَت مسألة الفرنكفونية والانتماء والهُوية بالنسبة للكاتب العربي الذي يعبّر بلغة أجنبية، كما طرَحَت مسألة حوار الثقافات في عصر العولمة. وقد احتلّ هذا الأدب في الآونة الأخيرة موقعاً متميّزاً بعد أن تمكّن بعض الأدباء اللبنانيين ممن يكتبون بالفرنسية من الوصول الى مواقع متقدمة، وحصد جوائز مرموقة. فإلى جانب الأبحاث التي تطرح مسألة الفرنكفونية بصورة عامة، هل هي ثقافة استلاب أم ثقافة التزام، خصّصتُ بعض الدراسات للإضاءة على نتاج كبار الكتّاب الفرنكفونيين وتحليله، من بين هؤلاء جورج شحادة وصلاح ستيتية وناديا تويني وفينوس خوري غاتا، وأمين معلوف الذي انتُخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 2011.
هذا، وقد تشعّبت اهتماماتي الفكرية وتنوّعت بعد أن شغلتُ موقع الأمينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لعدة سنوات، فكان لي أن أشارك بمؤتمرات وأُعدّ أبحاثاً أدرجتُ بعضاً منها في الباب الرابع، وهي تناولت مشكلات الثقافة العربية تجاه التحولات الجديدة، ودور الثقافة والتربية في مواجهة العنف، وأهمية التراث في بناء حضارة عالمية إنسانوية، ودور الإعلام في تعزيز التفاهم الأورومتوسطي. كما استرعتني مسألة التربية على المواطنة العالمية كسبيل لإرساء أسس مجتمعات أكثر سلاماً وتسامحاً. وبالطبع، كنت شديدة الاهتمام بشؤون المرأة وكتبتُ في هذه المسألة أوراقاً كثيرة اخترتُ منها بحثاً حول دور المرأة العربية في الثقافة والمجتمع في ظل العولمة.
آمل أن تكون هذه الأبحاث والدراسات معيناً للمهتمين بشؤون الفكر، وتشكّل حافزاً للباحثين الشباب لكي يوظّفوا أبحاثهم في عملية التغيير وبناء الفكر الواعي.