لا تحتاج الكلمة المتلفزة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى كثير من التفسير، حيث بدا واضحا أنه أراد تسعير المعركة وفتحها على جبهتين:
سياسيا من خلال الهجوم العنيف على الرئيس نبيه وبري والرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في محاولة لرفع أسهمه عبر شعبوية لم تعد تجدي نفعا في ظل الظروف الراهنة.
وإجتماعيا عبر تبسيط معاناة المواطنين وما يواجهونه من إذلال أمام محطات المحروقات والصيدليات ووضعه في إطار “الصمود السياسي” بهدف تشريعه في الشارع البرتقالي تمهيدا للمزيد من الأزمات التي يغيب عن بال باسيل الذي بدا وكأنه يعيش في كوكب آخر أن حلها بالنسبة لكل اللبنانيين بات أهم بكثير من كل ما جاء في كلمته.
مهما حاول باسيل اللف والدوران واللعب على الكلام ومفرداته، فإن ما يطلبه بات معروفا وقد تظهّر بشكل أوضح في كلمته، وهو “الثلث المعطل” الذي يجعله شريكا مضاربا للحريري ومتحكما به وبمصير حكومته، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للبقاء ضمن المعادلة، فإما أن يتحقق له ذلك ويوقع رئيس الجمهورية ميشال عون على التشكيلة التي ترضيه، وإلا فإن حركة التأليف ستبقى متوقفة الى أن يرضخ الحريري، أو أن يعتذر وعندها يمكن التفتيش عن رئيس آخر يمكن أن يقبل بالشروط الباسيلية.
وبحسب مصادر سياسية مواكبة، فإن أخطر ما جاء في كلمة باسيل، هو إستعانته بالصديق السيد حسن نصرالله الذي نظم له أبيات المديح في وقوفه الى جانب الحق، ومعرفة ما يتعرض له التيار الوطني الحر من إستهداف، وصولا الى تأكيد باسيل قبوله في الحكومة بما يقبله السيد نصرالله لنفسه.
هذا الكلام المعسول (بحسب المصادر نفسها) الذي ترافق مع هجوم عنيف على رئيس مجلس النواب نبيه بري شريك السيد نصرالله في الثنائي الشيعي، وإتهامه بتعطيل المشاريع وحجزها في الأدراج والتعاطي في مجلس النواب وكأنه ملك شخصي، والتصرف بما لا يحق له وبتحويل مسعاه الحكومي الذي كلفه فيه السيد نصرالله الى مبادرة لم يكن فيها وسيطا نزيها، يهدف بما لا يقبل الشك الى إحراج السيد نصرالله بالدرجة الأولى، والى الايقاع بينه وبين الرئيس بري بالدرجة الثانية.
لا شك في أن السيد نصرالله يتعاطى مع الأزمة الحكومية بـ”وسطية”، حيث يحافظ على علاقته مع حليفيه الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل ويمتنع عن ممارسة أي ضغط عليهما، ويحافظ على التفاهم القائم مع الرئيس سعد الحريري الذي يساهم في تبريد الساحة السنية ـ الشيعية، فضلا عن أن الحريري يقدم كل تعاون مع الثنائي ولم يرتكب أي خطأ معه. وبالتالي فإن إستعانة باسيل بالسيد نصرالله لرسم الحلول الحكومية ستضع حزب الله أمام إحراج كبير، فهو في حال إستمر على موقفه الايجابي من الحريري فسيُتهم من قبل التيار البرتقالي بعدم مراعاة تفاهم مار مخايل أو بالخروج عليه، وهو في حال عمل على مسايرة باسيل، فإنه بذلك يثير حفيظة الرئيس نبيه بري الذي يخوض معركة مفتوحة ضد التعطيل الحكومي المتهم فيه باسيل.
تقول مصادر مواكبة: إن كلام باسيل لم يأت من فراغ، بل هو يهدف بوضوح الى الايقاع بين الثنائي الشيعي، والى وضع حزب الله أمام الاختيار بين حليفه المسيحي أو حليفه الشيعي.
وتلفت هذه المصادر الى أن كثيرا من التجارب أثبتت أن اللعب على وتر الخلاف بين الحزب والحركة غير ممكن، وأن كل محاولة من هذا النوع سيكون مصيرها الفشل وقد تنعكس سلبا على أصحابها.