يتحدث كثير من المتابعين عن أوجه الشبه بين مرحلة العماد ميشال عون في العام 1989 وبين مرحلة الرئيس ميشال عون في العام 2021..
إثنان وثلاثون عاما كل شيء تغيّر فيها إلا “الجنرال” الذي ما يزال يريد أن يستأثر بكل السلطات وأن يلغي كل المؤسسات الدستورية لمصلحة حكم الرئيس الواحد ضمن نظام رئاسي يتطلع إليه منذ ذلك الحين، ولو أدى الى عزله عن كل المكونات اللبنانية وعن العالم.
بالرغم من الشبه الكبير بين المرحلتين إلا أن ثمة فوارق واضحة يمكن التوقف عندها، أهمها، أن عون كان في العام 89 يعتمد على عاطفة قاعدة شعبية عريضة كانت تنام على طرقات قصر بعبدا دعما له ولتوجهاته، وقد ساهمت هذه القاعدة في تأسيس التيار الوطني الحر الذي خاض نضالات مشهودة خلال فترة نفيه عون الى فرنسا، قبل أن يعود في العام 2005 ويقود تسونامي برتقالية في الانتخابات النيابية أعادته بقوة الى السلطة ثم حملته بالتحالف مع الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الجمهورية محققا بذلك حلمه التاريخي..
في حين أن في العام 2021 هناك نفور شعبي أفقي من الرئيس عون ومن عهده ومن فريقه، ربما تقضي على التيار الوطني الحر بعد فترة وجيزة، خصوصا أنه يتهاوى بفعل معارك جبران باسيل الذي يسخر كل شيء ويستخدم كل ما يمكن لتحقيق طموحاته الرئاسية.
يدرك باسيل أنه بات قاب قوسين أو أدنى من الخروج من الباب السياسي، لذلك فهو يحاول العودة بطرق شتى، تارة عبر فرض نفسه شريكا مضاربا لرئيس الحكومة المكلف في تأليف الحكومة، وتارة بطرح حكومة 3 ثمانيات من دون أن يعطيها الثقة، وتارة بالمطالبة بالثلث المعطل، وتارة أخرى بالحديث عن النصف زائدا واحدا لرئيس الحكومة، وطورا بطرح طاولة حوار في قصر بعبدا، إضافة الى التذاكي بمنع الحريري من تسمية الوزيرين المسيحيين وإشتراط التوافق عليهما مع الرئيس عون بما يمنحه ثلثا معطلا مقنعا، وكل ذلك يقود باسيل الى مزيد من الفشل، ويتسبب في تصنيف عهد عمه بأنه الأسوأ على الاطلاق منذ ولادة لبنان الكبير، ويدفع البلاد والعباد الى جهنم، ويلخص الأزمة اللبنانية القائمة اليوم بأنها أزمة جبران باسيل وشهوته الجامحة الى السلطة.
هذا الارتجال الباسيلي الذي يراكم الفشل، أوصل الرئيس عون الى الحائط المسدود، حيث لم يعد لديه كثيرا من الخيارات، وما إعلان بعض نواب التيار عن أنه يحضر لمبادرة جديدة سيطلقها خلال أيام، سوى ذر للرماد في العيون، لأنه بات محاصرا إما بالتوافق مع الحريري على تشكيل الحكومة، أو بإبقاء عهده من دون حكومة وما قد يحمله ذلك من إنفجار للوضع الاجتماعي قد ينهي الولاية بفوضى عارمة وربما بحرب جديدة، أو أن يقدم إستقالته فيرتاح ويريح صهره جبران من الحريري، ويعطي أملا بتكوين سلطة جديدة تكون قادرة على إعادة بناء ما تهدم، وأولها كرامة اللبنانيين التي باتت في حضيض الذل بفعل غياب أبسط مقومات العيش الكريم.
يبدو واضحا أن ترميم العلاقات بات صعبا للغاية، فالرئيس عون لم يترك جهة إلا وسدد سهامه باتجاهها، حتى حليفه الأساسي حزب الله الذي أحرجه بالهجوم على الرئيس بري لتعطيل مبادرته وهو المكلف شرعيا من السيد حسن نصرالله بحل المعضلة الحكومية، ما أخرج بري عن طوره برد قاس لكنه وضع فيه النقاط على الحروف وأظهر التناقض الذي يسيطر على سلوك رئيس الجمهورية الذي رفض عندما كان رئيسا للتيار إعطاء الرئيس ميشال سليمان ثلاثة وزراء لأن الدستور لا ينص على ذلك (بحسب قوله آنذاك)، فيما يصرّ اليوم وهو رئيس للجمهورية على أن تكون حصته ثمانية وزراء لأن ذلك برأيه من صلب الدستور والميثاق ووحدة المعايير التي لا يتبناها الحريري الذي قد يتجه بالرغم من كل حالة الرفض له من قبل فريق العهد الى زيارة قصر بعبدا لتقديم تشكيلة جديدة من 24 وزيرا، من شأنها أن تضع عون وباسيل على حد سواء في “خانة اليك”، لذلك من المتوقع أن يتنامى الهجوم العوني على الرئيسين بري والحريري بإتهام الأول بأنه لم يعد وسيطا بل طرفا، ولمنع الثاني من تقديم تشكيلته.
في الوقت الذي يصادر فيه عون وباسيل الحكومة ويفضلان قيادة البلد الى جهنم على أن يدخل الحريري الى السراي الكبير، تصادر التيارات السياسية مجتمعة غضب اللبنانيين الذين لم يعد لهم مكان حتى في الشارع للتعبير عن آلامهم وعن معاناتهم بعدما سبقتهم إليه في إضراب أمس، في خطوة غير مسبوقة تدعو للاستغراب والدهشة من سلطة قتلت ودمرت وسرقت وعتّمت وجوّعت وظلمت ثم حمّلت مسؤولية ذلك الى ضحاياها وفق شعار: “السلطة تريد إسقاط الشعب”.
مواضيع ذات صلة: