أخرج الرئيس المكلف سعد الحريري نفسه من “إحراج” التلويح بالاعتذار عن تشكيل الحكومة في كل مرة من دون أن يُقدم عليه، بعدما ربط مصير تكليفه بمبادرة الرئيس نبيه بري وبمحركاته التي ما تزال تعمل وإن كان على أجهزة الأوكسجين، وذلك لحين إنتهاء التحضيرات لإعلان وفاتها وما سيترتب عليها من إمكانية حصول الارتطام الكبير أو الفوضى الشاملة على وقع جنون الدولار، خصوصا أن الجميع بات بإنتظار الأسوأ.
بعد زيارته الى دار الفتوى ومشاركته بإجتماع المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، بدا واضحا أن الحريري يتهيب مما ينتظره في تشكيل الحكومة، سواء كان بالتوافق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي لن يتوقف عن الحرتقة عليه، وسيعمل على إفشاله خصوصا إذا ما حصل على الثلث المعطل بشكل مقنع، أو في حال نجح الحريري في تشكيل حكومة وفق شروطه حيث من المفترض أن يتخذ قرارات قاسية وغير شعبية على صعيد تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم وتقليص القطاع العام، إضافة الى ملف ترسيم الحدود، وملف عودة النازحين الذي سيضطره للتعاطي مع الحكومة السورية لتنظيم الآلية، والانتخابات النيابية، وكل ملف من هذه الملفات إضافة إلى إضطراره للتعاطي الايجابي مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سيترأس إجتماعات حكومته، سيؤدي حتما الى خسائر ستلحق به تباعا والى تراجع شعبي سيترجم في صناديق الاقتراع.
من هنا، يدرك الحريري أنه لم يعد لديه المصلحة في تشكيل الحكومة، بما يجعل أمر إعتذاره محسوما لكنه ينتظر اللحظة المناسبة التي يستطيع من خلالها إحكام الحصار على عون وباسيل، خصوصا أنه بدأ يشكل رأي عام وطني ضدهما لكونهما المسؤولان المباشران عن التعطيل وعن الانهيار، إضافة الى تعزيز فكرة أن يكون ممرا إلزاميا لأي رئيس حكومة مقبل، وأن أي طامح لا يسلك هذا الممر يكون مرشح رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بما يؤدي الى نزع كل الأغطية السنية عنه دينيا وسياسيا وشعبيا، على غرار ما تعرض له الرئيس حسان دياب وربما أكثر.
لذلك، فإن الحريري بات يميل نحو الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة، والاستفادة من صموده في وجه الضغوطات ومن إعتذاره في تحسين واقعه الشعبي في حال كتب لهذا الاستحقاق الانتخابي أن يبصر النور، تاركا أمر قيادة البلاد الى حكومة لا لون ولا طعم ولا نكهة لها قد تفشل في إدارة كل الملفات، لا سيما الانتخابات النيابية التي تحتاج الى إستقرار أمني وإقتصادي وإجتماعي ليصار الى إجرائها، وهذا غير متوفر، فكيف في ظل إنعدام الكهرباء وإنقطاع المحروقات وجنون الدولار وفوضى الشارع والفلتان الأمني أن تجري الانتخابات.
ما يقوم به الحريري اليوم يعتبر سيفا ذو حدين:
حدّ لمصلحته، في إظهار غطرسة عون وباسيل للرأي العام اللبناني وتمسكهما بالسلطة وبالثلث المعطل ورفضهما لارادة مجلس النواب الذي عاد وجدد التكليف للحريري في جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية..
وحدّ ضده، في ظل إتهامه من قبل البعض بالمشاركة في إيصال البلاد الى الهاوية، وطالما أنه على يقين بأن مساكنة عون وباسيل مستحيلة، وأنه لا يمكن لهما التخلي عن شروطهما لا سيما الثلث المعطل الذي لا يقبل به، فلماذا إستمر ثمانية أشهر، ولماذا لم يستقل ويفسح المجال أمام شخصية أخرى ربما كانت قادرة قبل أشهر على أن تفعل شيئا، خصوصا أن الدولار لم يكن قد تخطى عتبة السبعة آلاف ليرة، وأن إرتفاعه وكان وما يزال على وقع فشل جلسات بعبدا تارة وإرتفاع حدة المواجهة مع عون وباسيل تارة أخرى.
بإنتظار القرار الحاسم للحريري من إكمال مهمته بدعم من الرئيس بري، أو التوافق معه على الاعتذار، فإن اللبنانيين سيكونوا بانتظار الأسوأ الذي يلوح بالأفق وربما يقضي على البقية الباقية من هذا البلد شعبه المعذب.
مواضيع ذات صلة: