يبدو أن خيار الاعتذار عن تشكيل الحكومة لدى الرئيس سعد الحريري ما يزال يحتمل التأجيل، فالرجل ما تزال لديه العديد من الأوراق للمناورة فيها أو ممارسة مزيدا من الضغط من خلالها، في ظل الدعم المطلق الذي يتلقاه من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دخلت حركته (أمل) على خط الهجوم العنيف ضد التيار الوطني الحر، في وقت لم يعد حزب الله قادرا على البقاء متفرجا على الغطرسة السياسية التي يمارسها جبران باسيل، خصوصا أن وفد الثنائي الشيعي الذي عقد معه إجتماعين متتاليين، خرج في كل منهما كمن “يفسر الماء بعد الجهد بالماء”.
يبدو أن كيل الجميع قد طفح من ممارسات باسيل الذي ينتقد كثيرون مصادرته لتوقيع رئيس الجمهورية وهيمنته على مفاصل قصر بعبدا من خلال جيش المستشارين، ورفضه أي مسعى أو وساطة أو مبادرة من أي جهة أتت، طالما لا تؤمن له “الثلث المعطل” الذي يخفيه خلف تسمية الوزيرين المسيحيين اللذين بحسب توزيع (الثلاث ثمانيات) هما من حصة الرئيس المكلف ويحق له تسميتهما بحسب الدستور، إلا أن باسيل يضرب الدستور بعرض الحائط ويحاول إدخال أعراف جديدة على آلية تشكيل الحكومة.
اللافت أن باسيل إتخذ قرارا بعدم منح الثقة للحكومة قبل مناقشة بيانها الوزاري، فيما يصرّ على المشاركة في تسمية الوزراء الثمانية من حصة رئيس الجمهورية والموافقة على وزيرين مسيحيين إضافيين، بالرغم من عدم تسميته الحريري في الاستشارات وإتجاهه نحو معارضة الحكومة.
سلوك باسيل يؤكد أنه يعيش حالة من الانفصام غير مسبوقة، سببها الأساسي سقوط التسوية الرئاسية التي يتحمل الحريري مسؤوليتها ويدفع اليوم ثمنها، وفشل باسيل حتى الآن في تأمين لقاء مع الرئيس المكلف الذي يصر على أن مناقشة تأليف الحكومة يكون مع رئيس الجمهورية وليس مع أي شخص آخر، الأمر الذي دفع رئيس التيار “البرتقالي” الى الايحاء بأن الحكومة تتألف بينه وبين الثنائي الشيعي في دارته في البياضة، والى ذر الرماد في عيون اللبنانيين بتغريدات تتناول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية ضاعفت من حجم الاستفزاز لدى المعنيين بالتأليف الذين باتوا يحملونه مسؤولية التعطيل.
أمام هذا الواقع، لم يكن أمام الحريري سوى اللجوء الى دار الفتوى والمجلس الاسلامي الشرعي الأعلى لتقديم شكوى عاجلة بحق رئيس الجمهورية وفريقه الذي يمعن في مصادرة صلاحيات رئاسة الحكومة وإستهداف الموقع السني الأول وضرب إتفاق الطائف، وبالتالي التأكيد على أنه لم يعد لديه إلا خيار الاعتذار، الأمر الذي رفضه المجلس الشرعي وأعلن دعمه له، وحذر عون وباسيل دون تسميتهما من مغبة الاخلال بالتوازنات وضرب إتفاق الطائف أو إدخال أعراف جديدة عليه، وقد جاء لقاء الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين، وقبل ذلك مع عدد من النواب المستقلين ليوسع من رقعة الغطاء السني الذي يبدو أنه يتجه الى أن يتحصن به في وجه رئيس الجمهورية في محاولة منه لوضعه مع باسيل في مواجهة الطائفة السنية ككل بعدما نال دعم وتأييد الأكثرية الساحقة فيها.
تقول مصادر سياسية مواكبة: إن الحريري وضع عون وباسيل أمام خيارين، فإما الاستجابة لمبادرة الرئيس نبيه بري ووساطة حزب الله لتشكيل حكومة برئاسته تساهم في التخفيف من الاحتقان المتنامي، أو إكمال ما تبقى من ولاية العهد من دون حكومة، في ظل الاصرار السني على تكليف الحريري بما يرفع الغطاء عن أي طامح، فضلا عن إمكانية تحرك الشارع على وقع الأزمة الاقتصادية ضد العهد والرئيس عون، خصوصا بعدما طفح الكيل الشيعي من ممارسات باسيل.
مواضيع ذات صلة: