بمناسبة الذكرى السنوية الثانية عشر لرحيل الداعية المفكر الدكتور فتحي يكن رحمه الله رائد الحركة الاسلامية في لبنان استذكر نجله الدكتور “سالم فتحي يكن” والده الراحل بكلمات حملت في طياتها جملة مواقف وشجون أمة ووطن لطالما كانت من أولى اهتمامات الداعية رحمه الله، حملها نجله أمانةً مُصّراً على متابعة المسيرة رغم كافة الظروف.
*وقد جاءت كلمته كالتالي:*
إثنا عشر عاماً وشوقاً وذكراك الحاضرة فينا ،
أنت الذي لم ولن تغب عن وجداننا أبداً ما حيينا
*أبي وسيدي*
الفجر إشتاق لصوت يناديه بعد الأذان يسمعه آيات يرتلها ترتيلا في محراب سجادته حيكت من سجود ، وبخوره ذكر وقنوط وخشوع المآذن إشتاقت لحنجرة ما بحّت إلا لتنذر وتحذر وتدعو بالحسنى
الوجوه إشتاقت لإبتسامة ثغرك ونور محياك سفير دعوتك قبل قلمك وصوتك الى “وربك فكبّر “
حتى الغروب إشتاق تأملك فيه ، وتسبيحاتك لبديع خلق مبدع الكون ، لشوقك لإستقبال ليل تطوي عتمته بأذكار تنير القلوب كنجوم إنزرعت في سماء إيذانناً بقدوم فجر جديد
وأنا أيضاً إشتقت إليك يا أبي
إشتقت لك متواضعاً بشموخ … تحنو … تعظ… تنصح …تحب …تغضب … تعاتب … تسامح … توجه… تعانق … لكني والله لا زلت أشعر أنك في الحلم تفارق
فراق الكبار صعب فكيف إن كان هذا الكبير أبي
كثرٌ حملوا الألقاب لكن الألقاب تسمو بحامليها كما تألقت بك ، ولن يعلو الصغار بألقاب مهما تفاخمت
*أبي وسيدي*
المسيرة التي نذرت العمر لها ليست في أحسن حال ، بل ربما لا أغالي إن قلت أنها في أحرجه
التحديات كبرت وتكاثرت ومقاربتها لا زالت تعاني من أمية من شأنها إذا ما إستفحلت أن تطرح المزيد من التطرف والإرهاب
آمنت الناس بشعاراتنا وبأخلاقنا وبإلتزامنا الدفاع عن تلك المبادئ بتضحيات أثارت حقن الخصوم وإعجاب المحبين
لكن ليس بالشعارات البراقة ، مهما أضفينا عليها من قداسة ، نضمن النجاح والتقدم والسؤدد
قلنا للناس إن ” الإسلام هو الحل ” فآمنت الناس وإحتشدت ، لكننا لم نقل لهم ولم نقدم لهم أطروحة تبين كيف يكون الإسلام هو الحل ، فتلاشى من إحتشد والبعض ثار
لم نقدم لهم خطط للنهوض الاقتصادي ونظرة لحل مشكلات البطالة والفساد والهدر ، بل إكتفينا بالوعظ ودعوتهم للصبر وتحمل المشقة فهي تفتح لهم أبواب الجنان ، فكنا وعاظاً لا حكاماً
وحين وصلنا الى سدة الحكم في بعض البلدان لم تثبت ممارستنا السياسية أننا نؤمن حقيقة لا مسايرة بالتعددية وقبول الآخر ، وإعتبرنا ذلك الإقصاء إنتصاراً للدين الذي إختصرناه بتجربتنا لا بل بهياكلنا رامين الحُرم على كل مختلف معنا ، فإعتقد الناس أنهم أمام دكتاتورية متسلحة بلبوس ديني
أغرقنا الندوات النيابية بحوارات في قضايا لم تعد لزماننا فأثارت موجات تراوحت بين السخط والسخرية
وكانت النتيجة أن خسرنا خلال سنة واحدة رهاناً بقينا قائمين عليه بأشفار عيوننا ثمانين عاماً
وحين خسرنا قلنا أنها المؤامرة دبرت بليل ، ولم يخرج منا حتى اليوم من يقول :إنه إستعدادنا الدائم لنكون ضحية كل المؤمرات ، ولأنني إبنك خرجت لأقولها اليوم
*أبي وسيدي*
وحدها فلسطين إبتهال الأرض للسماء
وحدهم أبطال حي الجراح
وحدهم أبطال غزة
أعادوا تصويب البوصلة
وجهوا إنتفاضتهم الى حيث يجب أن توجه
وجهوا سلاحهم الى حيث ينبغي أن يصوّب
وقرروا خوض المعركة في لحضة سياسية دولية مؤاتية
ففتح له العالم فضاءاته، وكانت النتيجة أكثر من متوقعة وأكبر من مبهرة
سقطت صفقة القرن وعاد الحديث عن حل الدولتين
تكرست معادلة أمن فلسطين كل فلسطين هي بأيد الفلسطينين
ولأنها فلسطين ، شال الدم والتضحية المطرز على صدر الوطن العربي والإسلامي ، أسقطت وهي تخوض معركة إستعادة ذاتها ، حلم الكيان الغاصب أن يتضخم دوره الاقتصادي على حساب شعوبنا مجدداً
فالصواريخ التي أصابت عسقلان والنقب كانت كافية لإفهام هذا الكيان المفتعل الطارئ أن زمن توسع الهيمنة قد إنتهى
*سيدي وأبي*
أبناؤك في غزة إستعادوا البندقية من ساحات ليست لها
وإستعادوا الحركة الإسلامية من أدوار ليست لها
وكلي أمل أنهم سيعيدون للحركة إشراقتها الحقيقية كحركة مقاومة للعدو الأول إسرائيل وللظلم بعدما غشيتها الظلامية والتطرف والإرهاب
أبناؤك في غزة أعادوا الإلتحام مع مشروع المقاومات في الوطن العربي والإسلامي ، وهم لم ولن ينسوا فضل من وقف بجانبهم من دول وحكومات وشعوب وأحزاب
*سيدي وأبي*
وطنك اليوم يعيش لحظات حرجة ، الدولة تحللت ، والسلطات إنكشفت ، والطوائف أفلست ، والإقتصاد والأمن الاجتماعي يلفظان أنفاسهما الأخيرة
حلول الداخل إستعصت والكل بات ينتظر حلول الخارج وإشاراته
لكننا سنبقى نؤمن بهذا الوطن ، وإنظلاقاً من إيماننا هذا فإننا ندعوا المعنيين الى الإقلاع عن التحصن بالحرتقات الدستورية ، وتشكيل حكومة تنقذ الوضع اللبناني الماضي الى منزلقات خطرة
حكومة تراعي مصلحة لبنان الوطن لا مصالح فئات وجماعات وتيارات هي أصغر من طائفتها فكيف من وطنها
إن لبنان يحتاج منا أن ننقي خطابنا وممارستنا من العنصرية التي بدأت تتسلل من خطاب البعض ، وعلى هذا البعض أن يدرك أن عقارب الساعة لا تعود الى الوراء ، وأن حفظ لبنان مقدم على جلب مصالحه الشخصية الضيقة
إننا ندعم خيار أن يمضي الرئيس المكلف تشكيل هذه الحكومة حتى وصولها الى نيل ثقة المجلس النيابي ، وأن تكون أولويتها إنقاذ الوضع الاقتصادي والمعيشي الآخذ بالتدهور ، فالوقت ليس متاح لحركات بعض المراهقين في السياسة ولا لخفتهم ، ولا لإبتزازات مكشوفة أو تهديدات رخيصة
*سيدي وأبي*
عهدي لك أن أكون كما الإسم الذي حملتني ، داعية للسلم والسلام دون إستسلام ،
حاملاً لأمانتك التي لن يسلبها مني أحد ، وهذا وعدي لك بين يدي ذكراك وبذكرك تطيب الذكريات
مواضيع ذات صلة: