“باب خشبي” كان الفاصل بين الفلسطيني محمد الكولك، وبين الموت المُحقق، إثر قصف طاول بنايتهم السكنية المكونة من 5 طوابق من دون سابق إنذار في مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 25 شهيدًا من عائلته، من بينهم والده ووالدته.
ولا تزال الجروح التي أُصيب بها الكولك، مرسومة على وجهه، فيما رافق الحُزن صوته لحظة حديثه عن تفاصيل ما جرى لعائلته، المكونة من خمس أُسر، تضم 30 شخصًا، لم يتبق منهم على قيد الحياة سوى 5 أشخاص.
ويقول الكولك في حديث عبر “العربي الجديد”: “بدأ هجوم الطائرات الحربية الإسرائيلية على منطقتنا المدنية الهادئة في تمام الساعة الواحدة من فجر اليوم السابع من العدوان الإسرائيلي، كُنتُ في الطابق الرابع، وشعرت بالمنطقة تهتز من حولي، فبدأت بالنداء على أهلي كي يأخذوا حذرهم، إلى أن اهتز البيت بشكل قوي وكأن زلزالًا ضربه، وسقطت على الأرض، وأدركت بأن القصف استهدف بيتنا”.
ويتابع الناجي الكولك: “كل هذا المشهد كان في ثوانٍ معدودة، لم تتجاوز نصف دقيقة، أسقطتني بين الأنقاض، ومكثت نحو ساعة ونصف، لكن العناية الإلهية أنقذتني، إذ سقط فوقي باب خشبي، حمى جسدي من الردم، كُنت أتنفس بصعوبة، إلا أنني كُنت أطرق بيدي على الباب، إلى أن سمعني أحد ضباط الدفاع المدني، وقد تم انتشالي بعدها برُبع ساعة، بعد أن تم تحطيم الكتل الإسمنتية، وإخراجي وقد أُصبت بالكثير من الخدوش والجروح إلى جانب شعر في صدري، ونجا معي فقط أخي، وابن أخي وشقيقته، وزوجة أخي ونجلها، فيما ارتقى باقي أفراد العائلة شهداء.
ونجا الطفل الرضيع، عُمر الحديدي، بأعجوبة من قصف الطائرات الحربية لمنزل خاله في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، بدون سابق إنذار ما أدى إلى استشهاد أشقائه، صهيب الحديدي (14 عامًا)، ويحيى الحديدي (10 أعوام)، وعبد الرحمن الحديدي (8 أعوام)، وأسامة الحديدي (6 أعوام)، إلى جانب استشهاد والدته مها الحديدي، وجميع أفراد أسرة خاله.
ويقول الأب محمد الحديدي لـ “العربي الجديد” إن القصف لم يترُك من أسرته سوى طفله عمر، مضيفًا وقد هزمه الدمع: “ذهبت زوجتي وأولادي لمعايدة شقيقها في عيد الفطر، إلا أن الطائرات الحربية الإسرائيلية باغتتهم وقتلتهم جميعًا، باستثناء طفلي عُمر، الذي نجا من موت محقق”.
وتساءل الأب الحديدي عن ذنب الأطفال، الذين كانوا يتسامرون بأمان داخل المنزل، “ولم يشكلوا أي خطر يُذكر على الاحتلال الإسرائيلي، الذي أصّر على أن يلبسهم الأكفان، بدلًا من ملابس العيد التي كانوا يلبسونها بفرحة، وبعد انتظار وشوق كبيرين”.
وإلى الشمال من قطاع غزة، وفي قرية أم النصر “القرية البدوية” تحديدًا، ثمة قصة أخرى، للطفل عبد الرحمن أبو فارس، الذي لم يتجاوز عمره الثمانية أشهر، فقد نجا من الموت، بعد أن استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل عائلته، ما أدى إلى استشهاد أربعة أشخاص، فيما دفعت قوة القصف الطفل الرضيع، إلى الجهة المُقابلة للمنزل، تاركة على وجهه وجسده الصغير، آثار الجروح. ويقول محمد أبو فارس والد الطفل، إنه وفي تمام الساعة السادسة من مساء اليوم الأول، لعيد الفطر، تم قصف بيت العائلة، ما أدى إلى استشهاد ثلاث نساء، وطفل عمره عامان.
ويضيف: “نجا طفلي بأعجوبة من القصف، حين قذفته قوة الانفجار، وأُصيب بعدد من الشظايا، نُقل على أثرها إلى المستشفى الاندونيسي، وتم تحويله إلى مستشفى الشفاء لتلقي العلاج اللازم”.
ولا يرى أبو فارس أي سبب لاستهداف منزل مدني لا يوجد فيه سوى النساء والأطفال، وتحويل أجسادهم إلى جثث متفحمة بفعل الاستهداف المُباشر، دون سابق إنذار، مُعتبرًا أن الحدث بمثابة “اغتيال مُباشر للطفولة الفلسطينية في مهدها الأول”.
مواضيع ذات صلة: