لطالما إستفز إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب اللبنانية رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصا أنه لم يتمكن من تعطيله عندما كان رئيسا للحكومة العسكرية ومتحصنا في قصر بعبدا ودفع ثمن ذلك نفيا الى فرنسا لمدة 15 عاما، ولم ينجح في تجاوزه عندما أصبح رئيسا للجمهورية بالرغم من المحاولات الحثيثة التي قام ويقوم بها من خلال إستبدال نصوصه بأعراف مفبركة على قياس التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، علما أن إتفاق الطائف هو دستور الوطن وقد أقسم عون على حمايته والحفاظ عليه بعد إنتخابه رئيسا للبلاد.
يبدو واضحا أن الأزمة لم تعد تقتصر على خلافات سياسية حول ثلث معطل أو حصص وزارية، بل باتت تتعلق بصلب تطبيق الدستور الذي ينظم العلاقة بين الرئاسات، ويشكل في الوقت نفسه عبئا على الرئيس عون كونه لا يريد سعد الحريري رئيسا للحكومة، لكنه غير قادر على إزاحته أو سحب التكليف منه بعد فشل كل المحاولات التي نشطت من قصر بعبدا الى ميرنا الشالوحي في دفعه الى الاعتذار.
منذ أن أبصرت حكومة حسان دياب النور، والرئيس عون يعمل على فرض “نظام رئاسي” مستغلا ضعف دياب وعدم قدرته على المواجهة وقلة خبرة الوزراء المحسوبين سياسيا والمقنعين بالتكنوقراط، وبعد إستقالة الحكومة وتحوّلها الى تصريف أعمال وجد عون أن المجال بات مفتوحا أمامه لتحقيق حلمه التاريخي، فإستبدل الحكومة بالمجلس الأعلى للدفاع وإتخذ من خلاله سلسلة من القرارات ليست من إختصاصه ولا يمكن أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ من دون توقيع رئيس الحكومة، ثم أعقب ذلك بإتخاذ قرارات بالتعاون والتنسيق مع فريق المستشارين الذين يقدمون فتاوى لسلوك رئيس الجمهورية “ما أنزل الله بها من سلطان.”
لا شك في أن عون الساعي الى منح نفسه مزيدا من الصلاحيات على حساب الدستور، وجد أن الأجواء ملائمة للانقضاض على إتفاق الطائف سياسيا وطائفيا، محليا ودوليا، حيث يعمل كل ما بوسعه على قطع طريق السراي على الرئيس الحريري ويجاهر بالاساءات إليه وبأنه لا يريده رئيسا للحكومة، وبحسب المعلومات المتداولة فإنه يستعد لتوجيه رسالة الى مجلس النواب يشرح فيها الملف الحكومي ويطلب سحب التكليف من الحريري، وفي ذلك سلسلة مخالفات للدستور الذي لم يلحظ فترة زمنية محددة للتأليف، ولم يعط رئيس الجمهورية حق سحب التكليف بأي شكل من الأشكال باستثناء تقديم إستقالته التي يسقط معها التكليف تلقائيا.
تقول مصادر سياسية مطلعة: “إن رسالة مجلس النواب هي لزوم ما لا يلزم، وبدل أن يضيّع الرئيس عون الوقت في محاولات دفع الحريري الى الاعتذار، وفي إعداد الرسائل، فليبادر الى التفاهم معه على تشكيل حكومة تضع حدا لانهيار البلاد وتنقذ عهده الذي بات الفشل الكامل سمته الأساسية”.
في غضون ذلك، كان لافتا تركيز النائب جبران باسيل خلال زيارته الأخيرة الى موسكو على الحضور المسيحي في لبنان، وعلى صلاحيات الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق والتي لم يعد من الجائز التفريط بها لحساب رئيس الحكومة، وكان طرح هذه النغمة أيضا مع صديقه وزير الخارجية الهنغاري المتطرف سيارتو، في حين أشارت معلومات الى أن الرسالة التي وجهها عون الى الرئيس الفرنسي تضمنت في بعض بنودها ضرورة إستعادة صلاحيات الرئيس المسيحي في لبنان.
كل ذلك، يشير الى أن عون في الثلث الأخير من عهده قرر الاستعانة بدول الغرب لفتح حرب طائفية على الطائف، ليكتمل بذلك “نقل” الأزمة الاقتصادية والمالية بـ”زعرور” الأزمة السياسية والطائفية المستجدة، وبما يفتح أبواب جهنم على مصراعيها.
مواضيع ذات صلة: