ربما لا يكفي السلطة السياسية أنها مصابة بإنعدام الحسّ الوطني ما يدفعها الى إبقاء البلد تسعة أشهر من دون حكومة، ويُمعن أركانها بالتعطيل والعرقلة سعيا وراء مكاسب ومصالح شخصية حتى نفضت دول العام يدها من لبنان الذي بدأت معالم مجتمعه بالتبدل جراء الازمات التي تتوالد.. بل هي بدأ فشلها يتطور باتجاه غيابها الكامل عن تحمل مسؤولية شعبها المتروك لمصيره المجهول..
ثبت بالوجه الشرعي، أن هذه الدولة لا مسؤول فيها، فالكل غائب، أو مقصر أو متواطئ، ما يجعل البلد يسير بالدفع التلقائي من دون حسيب سياسي أو رقيب وزاري، ما يعزز من شريعة الغاب التي بدأت تفرض نفسها في الشارع اللبناني.
إسبوع كامل واللبنانيون يواجهون ذل وقهر الانتظار أمام أبواب محطات المحروقات، ووزارة الطاقة “لا حس ولا خبر”، ووزيرها ريمون غجر غائب عن الوعي، فلا هو أعلن عن أزمة محروقات، ولا صارح اللبنانيين بالأسباب، ولا قدم حلولا، ولا أجرى إتصالات بالشركات المعنية، ولا عقد إجتماعا طارئا للبحث في كيفية تأمين هذه المادة الحيوية على أبواب عيد الفطر، ما دفع كثير من المواطنين الى النوم في سياراتهم ليلا من أجل الحصول على كمية قليلة من البنزين صباحا لتسيير شؤون حياتهم، مستعيدين بذلك معاناة ومآس عمرها أكثر من أربعين سنة عندما كانت البلاد تواجه حربا بغيضة.
إسبوعان والتيار الكهربائي يتشبه بـ “قمر شباط”، حيث عاد التقنين الى قساوته حتى بات يقتصر في بعض المناطق الى ساعتين أو أربع ساعات على الأكثر في الـ 24، و”أديسون” الوزارة يغط في سبات عميق من دون تقديم مبررات أو تحديد مواعيد لعودة الكهرباء الى طبيعتها، في حين يتهم كثيرون التيار الوطني الحر المهيمن على الوزارة أنه يقاتل القوات اللبنانية بحرمان اللبنانيين من التيار الكهربائي كونها قدمت طعنا لدى المجلس الدستوري وأوقفت العمل بقانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 200 مليون دولار.
الغلاء يتوحش على المواطنين، والتجار تحولوا الى جلادين، والأسعار تتفاوت بين محل وآخر بالآلاف، فالكل يبيع على هواه، من دون إلتزام بتسعيرة أو بربح مشروع، والكل يحتكر المواد الأساسية الى حين إرتفاع أسعارها لتحقيق أرباحا خيالية، ووزير الاقتصاد راوول نعمة في “خبر كان” فلا هو أعلن حالة طوارئ إقتصادية ولا حرّك أجهزة وزارته للاقتصاص من المخالفين الذين يضاعفون من معاناة الناس، ولا هو عمل على تفعيل لجنة حماية المستهلك، باستثناء بعض الجولات الصورية الاعلامية التي لا تبدل سعرا ولا تعاقب محكترا، ما يجعل الأمور تسير على غاربها، بما يشجع “السوبرماركات” على أن تفترس أموال ومدخرات اللبنانيين.
الدواء في لبنان، بات عملة نادرة، رفوف الصيدليات شبه خالية، والأسعار تأخذ بالارتفاع يوما بعد يوم، ورفع الدعم سيف مسلط من دون إيجاد بدائل، ووزير الصحة ما يزال يؤكد أنه لا داعي للهلع، في وقت بات فيه المرضى مهددون بالموت مع فقدان أدويتهم الضرورية والالزامية ولا من ينقذهم أو يستجيب لاستغاثاتهم.
لا شيء في لبنان يسير على ما يرام، فيما الكل يدفن رأسه في الرمال كـ”النعامة” لكي لا يسمع ولا يرى، فالأمن متفلت والاشكالات المسلحة وصولا الى القتل على أفضليات المرور أو الدور في المحطات أو الصيدليات سيد الموقف، والاتصالات في حالة يرثى لها، والانترنت كشجرة الميلاد “بيضوي وبيطفي” فيما وزير الاتصالات منهمك بتلبية الدعوات وباستلام الدروع والهدايا.
كل هذا غيض من فيض معاناة اللبنانيين الذين إستمعوا بالأمس الى رئيس جمهوريتهم ميشال عون وهو يؤكد أنه يعمل على تفعيل السياحة، ليضربوا كفا بكف على مسؤولين يعيشون في عالم آخر، وربما لا يعلمون بأن البلد بات خاليا من مواطنيه الذين هجروه بحثا عن حياة كريمة، وأن دول العالم وشعوبها يتعاملون مع لبنان من باب إرسال المساعدات لمؤسساته وأهله وليس كبلد مؤهل للسياحة، فإذا كان فخامة الرئيس يعلم فتلك مصيبة، وإذا كان لا يعلم بالمصيبة أعظم..
مواضيع ذات صلة: